فصل: سنة أربعين ومائة وألف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف:

ووصل الباشا في منتصف ربيع أول سنة 1138 وركب إلى العادلية وخلع خلع القدوم، وقدموا له التقادم، وطلع إلى القلعة بالموكب المعتاد، وضربوا له المدافع والشنك، وسكن الحال.. ثم أن محمد باشا المنفصل أرسل تذكرة على لسان كتخداه خطابا لمصطفى بك بلغيه وعثمان جاويش القازدغلي مضمونها أن حضرة الباشا يسلم عليكم ويقول كلم: لا بد من التدبير في ظهور ذي الفقار وقطع بيت أبي شنب حكم الأمر السلطاني، وتحصيل الأربعة آلاف كيس الحلوان المعين بها القابجي. فلما وصلت التذكرة إلى مصطفى بك أحضر عثمان جاويش وعرضها عليه فقال: هذا يحتاج أولاً إلى بيت مفتوح تجتمع فيه الناس. فاتفقا على ضم علي بك الهندي إليهما وهو يجمع طوائف الصناجق المقتولين ومماليكهم ثم يدبرون تدبيرهم بعد ذلك. فاعتذر بخلويدة فقالوا له: نحن نساعدك وكل ما تريده يحضر إليك. وأحضر أحمد أوده باشا المطرباز ذا الفقار عند علي بك الهندي أحضر مصطفى جلبي بن إيواظ فاحضر كامل طوائف أخيه وجماعة الأمراء المقتولين وبلغ محمد بك جركس أن علي بك الهندي عنده لموم وناس. فأرسل له رجب كتخدا ومحمد جاويش يأمره بتفريق الجمعية ووعده برد نظر الخاشكية إليه. فلما وصلا إليه وجدا كثرة الناس والازدحام وأكلا وشربا فقال له رجب: كتخدا إيش هذا الحال وأنت خالي وجمع الناس يحتاج إلى مال. فقال له وكيف أفعل؟ قال: أطردهم. قال: وكيف أطردهم وهم ما بين ابن أستاذي وخشداشي وابن خشداشي حتى أني رهنت بلدا. فقال: أقعد مع عائلتك وخدمك ونرد لك نظر الخاصكية وأخلص لك البلد المرهونة. قال: يكون خيراً. وانصرفا من عنده ودخل علي بك فاخبر ذا الفقار بذلك فقال له: أرسل إلي سليمان آغا أبي دفية يوسف جربجي البركاوي. فأرسل إليهما وأحضرهما وأدخلهما إليه وتشاوروا فيما يفعلونه. فاتفقوا على قتل إبراهيم أفندي كتخدا العزب، وبقتله يملكون باب العزب. وعند ذلك يتم غرضنا. فأصبحوا بعدما دبروا أمرهم مع الباشا المعزول والفقارية والشواربية وفرقوا الدراهم. فركب أبو دفية بعد الفجر وأخذ في طريقه يوسف جربجي البركاوي ودخلا على إبراهيم كتخدا عزبان فركب معهم إلى الباب. وتطليس ذو الفقار وأخذ صحبته سليمان كاشف ويوسف زوج هانم بنت إيواظ بك ويوسف الشرايبي ومحمد بن الجزار، وأتوا إلى الرميلة ينتظرونهم بعدما ربطوا المحلات والجهات. فعندما وصل إبراهيم كتخدا إلى الرميلة تقدم إليه سليمان كاشف ليسلم عليه وتبعه خازنداره ابن إيواظ وضربه فسقط إلى الأرض، ورمحوا إلى الباب فطردوا البكجية وملكوه. وركب في الحال محمد باشا وحضر إلى جامع المحمودية، ونزل علي باشا إلى باب العزب واجتمعت كامل صناجق نصف سعد وقسموا المناصب مثل الحال القديم: أمير الحلي من الفقارية والدفتر دار من القاسمية ومتفرقة باشا من الفقارية وكتخدا الجاويشية من القاسمية ونحو ذلك. وقرأوا فاتحة على ذلك، وأغات الينكجرية أبو دفية. ومصطفى فندي الدمياطي زعيم وكان القبودان أتى من الإسكندرية ونزل في قصر عثمان جاويش القازدغلي بعسكره، فأتى بهم وملك السلطان حسن وكرنك به مع ذي الفقار بك. وخلع محمد باشا على علي بك الهندي دفتر دار وعلى ذي الفقار صنجقيته كما كان، وعلى علي كاشف قطامش صنجقية وعلى سليمان كاشف صنجقية وحاكم جرجا وعلى مصطفى جلبي ابن إيواظ صنجقية وعلى يوسف آغا زوج هانم صنجقية وعلى يسف الشرايبي صنجقية وسليمان أبي دفية أغات مستحفظان ومصطفى الدمياطي والي. وحضر إليهم محمد بك أمير الحاج سابقاً ومصطفى بك بلغيه وإسمعيل بك الدالي وقيطاس بك الكور وإسمعيل بك ابن قيطاس وأقاموا في المحمودية.
هذا ما كان من هؤلاء، وأما محمد بك جركس فانه أستعد أيضاً وأرسل إلى بيت قاسم بك عدة كبيرة من الأجناد ومدافع وعملوا متاريس عند درب الحمام وجامع الحصرية، وهجمت عساكرهم على من بسبيل المؤمن بالبنادق والرصاص حتى أجلوهم وهزموهم وهربوا إلى جهة القلعة وسوق السلاح وأكثرهم لم يدرك حصانه. فلما وقع ذلك عملوا متاريسهم في الحال عند مذبح الجمال ورموا على من بالمحمودية وهرب المجتمعون بالرميلة، وبنى طائفة جركس في الحال متاريس عند وكالة الاشكنية وأرتبك أمر الفرقة الأخرى.
ثم أن يوسف جررجي البركاوي وكان حين ذاك من الخاملين القشلانين وتقدم له الطلوع بالسفر سردار بيرق رمى نفسه في الهلاك وتسلق من باب العزب ونط الحائط والرصاص نازل، وطلع عند محمد باشا والصناجق بالمحمودية وطلب منهم فرمانا لكتخدا العزب يعطيه بيرق سردن جشتي ومائة نفر، وضمن لهم طرد الذين بسبيل المؤمن وملك بيت قاسم بك، وعند ذلك يسير البيارق على بيت جركس. وشرط عليهم أن يجعلوه بعد ذلك كتخدا العزب، فكعلوا ذلك ونزل بمن معه من باب الميدان وسار بهم من جانب تكية إسمعيل باشا وهناك باب ينفذ على تربة الرميلة، فوقف بهم هناك وطوى البيرق وهجم بمن معه على سبيل المؤمن بطلق رصاص متتبع وهو مهللون على حين غفلة. فأجلوهم وفروا من مكانهم إلى درب الحصرية وهم في أقفيتهم حتى جاوزوا متاريسهم وملكوها منهم، ودخلوا بيت قاسم بك وأداروا المدافع على بيت قاسم بك وصعدوا منارة جامع الحصرية، ورموا بالبنادق على بيت قاسم بك. فعند ذلك نزلت البيارق من الأبواب وساروا إلى جهة الصليبة وطلع القبو دان إلى قصر يوسف ورتب مدفعاً على بيت جركس على الرحيل والفرار، فخرج معه أحمد بك الأعسر ومحمد بك جركس على الرحيل والفرار، فخرج معه أحمد بك الأعسر ومحمد بك جركس الصغير وأركب خمسة من مماليكه على خمسة من الهجن المحملة بالمال، وذهبوا إلى جهة مصر القديمة، وعدوا إلى البر الآخر وساروا، وتخلف منهم بمصر محمد بك ابن أبي شنب وعمر بك أمير الحاج ورضوان بك وعلي بك وإبراهيم بك فارسكور. وطلع محمد باشا إلى القلعة ثانياً ونزل علي باشا وسافر إلى منصبه بكريد. وترأس ذو الفقار بك وقلد عثمان بك كاشف مملوكه منجقية وهو عثمان بك الشهير الذي يأتي ذكره، وأرسلوه صحبة يوسف بك زوج هانم بنت إيواظ خلف محمد بك جركس ومعهم عساكر وآغات البلكات، فصاروا كل من وجدوه من أتباع جركس بالجيزة أو خلافها يقتلونه. ووقعوا بأحمد أفندي الروزنامجي فأرسلوه إلى محمد باشا فسجنه مع المعلم داود صاحب العيار بالعرقانة، ثم قتلوهما وقتلوا عمر بك أمير الحاج ومحمد بك ابن أبي شنب وجدوه ميتا بالجامع الأزهر، وعملوا رجب كتخدا سردار جداوي والاقواسي يمق. وخرجا إلى بركة الحاج ليذهبا إلى السويس فأرسلوا من قتلهما أتى برؤوسهما ونهبوا بيوت المقتولين والهربانين وبيت جركس الكبير ومن معه.
وبعد أيام رجع عثمان بك ويوسف بك والتجريدة فأخبروا ذا الفقار بك وعلي بك الهندي أنهم وصلوا حوش ابن عيسى سألوا العرب عن محمد بك جركس ومن معه فأخبروهم أنهم باتوا هناك. ثم أخذوا معهم دليلاً أوصلهم إلى الجبل الأخضر وركبوا من هناك إلى درنة.
وكان هروب جركس وخروجه من مصر يوم السبت سابع جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف. ثم أنهم عملوا جمعية وكتبوا عرضحال بما حصل وأعطوه للقابجي وسلموه ألف كيس من أصل حلوان بلاد إسمعيل بك ابن إيواظ أمرائه وبلاد أبي شنب وأبنه وأمرأته أيضاً وذلك خلاف بلاد محمد بك قطامش ورضوان آغا وكور محمد آغا كتخدا قيطاس بك، وكتبوا أيضا مكاتبة إلى الوزير الأعظم بطلب محمد بك قطامش تابع قيطاس بك الذي تقدم ذكره وهروبه إلى الروم بعد قتل سيده، وختم عليه جميع الأمراء الصناجق والآغوات، وأعطاه الباشا إلى قابجي باشا، فلما وصل إلى الدولة طلب الوزير محمد بك فلما حضر بين يديه قال له أهل مصر: أرسلوا يطلبونك إليهم بمصر. فاعتذر بقلة ذات يديه وأنه مديون فأنعموا عليه بالدفتردارية والذهاب إلى مصر وكتبوا فرمانات لسائر الجهات بإهدار دم محمد بك جركس أينما وجد، لأنه عاص ومفسد وأهل شر، وذلك حسب طلب المصريين. ثم أن محمد باشا والي مصر خلع على جماعة وقلدهم أمريات فقلد مصطفى بن إيواظ صنجقية وحسن آغات الجملية سابقاً صنجقية وإسمعيل بن الدالي صنجقية ومحم جلبي بن يوسف بك الجزار صنجقية وسليمان كاشف القلاقي صنجقية وذلك خلاف الوجاقات والبلكات والسدادرة وغيرهم. وسكن الحال وانتهت الرياسة بمصر إلى ذي الفقار بك وعلي بك الهندي. وحضر محمد بك إلى مصر من الديار الرومية فلم يتمكن من الدفتردارية، لأن علي بك الهندي تقلدها بموجب الشرط السابق، وكل قليل يذاكر محمد بك ذا الفقار بك فيقول له: طول روحك. فاتفق أن علي بك المعروف بأبي العذب ومصطفى بك بن إيواظ ويوسف بك الخائن ويوسف بك الشرايبي وعبد الله آغا كتخدا الجاويشية وسليمان آغا ابادفية والكل من فرقة القاسمية كانوا يجتمعون في كل ليلة عند واحد منهم يعملون حظا ويشربون شراباً. فاجتمعوا في ليلة عند علي بك أبي العذاب فلما أخذ الشراب من عقولهم تأوه مصطفى بك ابن إيواظ وقال: يموت العزيز أخي الكبير والصغير ويصير الهندي مملوكنا سلطان مصر ونأكل من تحت يده والباشا في قبضته. وكان النيل قريب الوفاء فقال علي بك: أنا أقتل الباشا يوم جبر البحر. وقال أبو دفية: وأنا أقتل ذا الفقار. وقال مصطفى بك: وأنا أقتل الهندي. وكل واحد من الجماعة ألتزم بقتل واحد وقرؤوا الفاتحة وكان معهم مملوك أصله من مماليك عبد الله بك، ولما قتل سيده هرب إلى الهند وأقام في خدمته أياماً، فلما تقلد مصطفى بك الصنجقية أخذه من علي بك الهندي. فلما سمع منهم ذلك القول ذهب إلى علي بك الهندي وأخبره. فأرسله إلى ذي الفقار فأخبره أيضاً. فبعثه إلى الباشا فأخبره، فلما كان يوم الديوان وطلع علي بك أبو العذب قبض عليه الباشا وقتله تحت ديوان قايتباي، وأحاط بداره ونهب ما فيها وكان شيئاً كثيراً، وأرسل في الوقت فرماناً إلى الآغا بالقبض على باقي الجماعة، فقبضوا على مصطفى بك ابن إيواظ وأركبوه حماراً وصحبته مقدمه وأحضروه إلى الباشا فأمر بقتله وقتل مقدمه أيضاً، واختفى الباقون. وأخذ ذو الفقار فرمانا ينفي هانم بنت إيواظ بك وأم محمد بك ابن أبي شنب ومحظيته علي بك، فمانع عثمان جاويش القازدغلي في ذلك واستقبحه وضمن غائلتهن وألزمهن أن لا يخرجن من بيوتهن ورتب لهن كفايتهن. فلما حصل ذلك ضعف جانب القاسمية وانفرد علي بك الهندي، وكان ذو الفقار أرسل إلى الشام فأحضر رضوان آغا ومحمد آغا الكور فجعلوا رضوان آغا آغات الجملية ومحمد بك الجزار غائب بإقليم المنوفية. فعند ذلك اغتنموا الفرصة وتحرك محمد بك قطامش في طلب الدفتردارية فدبروا أمرهم مع يوسف جربجي عزبان البركاوي ورضوان آغا وعثمان جاويش القازدغلي، وقتلوا علي بك الهندي وذا الفقار قانصوه وأرسلوا إلى محمد بك الجزار تجريدة وأميرها إسمعيل بك قيطاس، وهو بإقليم المنوفية، وقلدوا مصطفى أفندي الدمياطي صنجقية وجعلوه حاكم جرجا. وقبضوا على سليمان بك أبي شنب، وقضى إسمعيل بك أشغاله وسافر بالتجريدة إلى المنوفية، وأخذ صحبته عربان نصف سعد وساروا إلى محمد بك الجزار. وأن لما وصله الخبر أخذ ما يعز عليه وترك الوطاق وأرتحل إلى جسر سديمة فلحقوه هناك وحاربوه وحاربهم، وقتل بينهم أجناد وعر وحمى نفسه إلى الليل. ثم أخذ معه مملوكين وبعض احتياجات وزل في مركب وسار إلى رشيد، وترك أربع وعشرين مملوكاً، فاخذوا الهجن وساروا ليلاً مبحرين حتى جاوزوا وطاق إسمعيل بك وتخلف عنهم مملوك ماشي، فذهب إلى وطاق إسمعيل بك قيطاس وعرفه بمكانهم فأرسل إليهم كتخداه بطائفة فردوهم وأخذهم عنده فأقاموا في خدمته. ولم يزل محمد بك في سيره حتى دخل إلى رشيد واختفى في وكالة، ووصل خبره إلى حسين جربجي الخشاب فقبض عليه وقتله بع أن أستأذن في ذلك، وتقلد في نظير ذلك الصنجقية وكشوفية البحيرة. مبحرين حتى جاوزوا وطاق إسمعيل بك وتخلف عنهم مملوك ماشي، فذهب إلى وطاق إسمعيل بك قيطاس وعرفه بمكانهم فأرسل إليهم كتخداه بطائفة فردوهم وأخذهم عنده فأقاموا في خدمته. ولم يزل محمد بك في سيره حتى دخل إلى رشيد واختفى في وكالة، ووصل خبره إلى حسين جربجي الخشاب فقبض عليه وقتله بع أن أستأذن في ذلك، وتقلد في نظير ذلك الصنجقية وكشوفية البحيرة.

.سنة أربعين ومائة وألف:

ونزل بعد ذلك إلى البحيرة ثم حضر محمد بك جركس عن غيبته ببلاد الإفرنج وطلع على درنه وأرسل مركبه التي وصل فيها إلى الإسكندرية وحضر إليه أمراؤه الذين تركهم قبل جهة قبلي، فركب معهم ونزل إلى البحيرة ليصل الإسكندرية. فصادف حسين بك الخشاب ففر منه وغنم جركس خيامه وخيوله وجماله. ثم رجع إلى الفيوم ونزل على بني سويف، ثم ذهب إلى القطيعة قرب جرجا واجتمع عليه القاسمية المشردون فحاربه حسين بك حاكم جرجا والسدادرة، وقتل حسن بك وطائفته واستولى على وطاقهم وعازفهم. ووصلت أخباره إلى مصر فجمع ذو الفقار بك جمعية وأخرج فرماناً بسفر تجريدة، فسافر إليه عثمان بك وعلي بك قطامش وعساكر، فتلاقوا معه بوادي البهنسا. فكانت الهزيمة على التجريدة واستولى محمد بك جركس ومن معه على عرضيهم وخيامهم وحال بينهم الليل، ورجع المهزومون إلى مصر. فجمع ذو الفقار الأمراء واتفقوا على التشهيل وإخراج تجريدة أخرى، فاحتاجوا إلى مصروف فطلبوا فرماناً من الباشا بمبلغ ثلاثمائة كيس من الميري عن السنة القابلة، فامتنع عليهم فركبوا عليه وأنزلوه وقلدوا محمد بك قطامش قائمقام وأخذوا منه فرماناً بمطلوبهم، وجهزوا أمر التجريدة واعتموا فيها اهتماماً زائد ورتبوا أشغالهم. وخرجوا وجرت أمور وحروب وقتل من جماعة جركس سليمان بك، ثم وقعت الهزيمة على جركس.

.سنة اثنتين وأربعين ومائة وألف:

ووصل إلى مصر باكير باشا وذلك في سنة اثنتين وأربعين ومائة وألف، وطلع إلى القلعة فمكث أشهراً، وعزله العساكر في أواخر السنة وحصل بمصر في أيام هذه التجار يدضنك عظيم، وثار جماعة القاسمية المختفون بالمدينة ودبروا مكرهم، ورئيسهم في ذلك سليمان أغا أبو دفية. ودخل منهم طائفة على ذي الفقار بك وقت العشاء في رمضان وقتلوه. وكان محمد بك جركس جهة الشرق ينتظر موعدهم معه، فقضى الله بموت جركس خارج مصر وموت ذي الفقار داخلها. ولم يشعر أحدهما بموت الآخر وكان بينهما خمسة أيام وثارت أتباع ذي الفقار بالقاسمية وظهروا عليهم وقتلوهم وشردوهم ولي يقم منهم قائم بعد ذلك إلى يومنا هذا. وانقرضت دولة القاسمية من الديار المصرية وظهرت دولة الفقارية، وتفرع منها طائفة القازدغلية وسيأتي تتمة الأخبار عند ذكر تراجمهم في وفياتهم. وقد جعلت هذا فضلا مستقلاً من أول القرن إلى سنة اثنتين وأربعين ومائة وألف التي هي آخر دولة قاسمية.

.ذكر من مات في هذه السنين:

من العلماء والأعاظم على سبيل الإجمال بحسب الإمكان، فإني لم أعثر على شيء من تراجم المتقدمين من أهل هذا القرن ولم أجد شيئا مدوناً في ذلك إلا ما حصلته وفياتهم فقط، وما وعيته في ذهني واستنبطته من بعض أسانيدهم وإجازات أشياخهم على حسب الطاقة وذلك من أول القرن إلى آخر سنة اثنتين وأربعين ومائة وألف، وهي أول دولة السلطان محمود بن عثمان.
وأولهم الإمام العلامة والحبر الفهامة شيخ السلام والمسلمين وارث علوم سيد المرسلين الشيخ محمد الخرشي المالكي شارح خليل وغيره، ويروى عن والده الشيخ عبد الله الخرشي وعن العلامة الشيخ إبراهيم اللقاني كلاهما عن الشيخ سالم السنهوري المالكي عن النجم الغيطي عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري عن الحافظ بن حجر العسقلاني بسنده إلى الإمام البخاري في سنة إحدى ومائة وألف.
ومات الشيخ الإمام شمس الدين محمد بن داود بن سليمان العناني نزيل الجنبلاطية أخذ عن علي الحلي صاحب السيرة والشهاب الغزي والشمس البابلي والشهاب الخفاجي والبرهان اللقاني وغيرهم. حدث عنه حسن بن علي البرهاني والخليفي والبديري وغيرهم توفي سنة ثمان وتسعين وألف.
ومات إمام المحققين وعمدة المدققين صاحب التآليف العديدة والتصانيف المفيدة السيد أحمد الحموي الحنفي، ومن تصانيفه شرح الكنز وحاشية الدرر والغرر والرسائل، وغير ذلك. توفي أيضا في تلك السنة رحمه الله، ومن شيوخه الشيخ علي الأجهوري والشيخ محمد ابن علان والشيخ منصور الطوخي والشيخ أحمد البشبيشي والشيخ خليل اللغاني وغيرهم كالشيخ عبد الله بن عيسى العلم الغزي.
ومات علامة الفنون الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد ابن أحمد بن أمير الدين محمد الضرير بن شرف الدين حسين الحسيني الشهير بالشرنبابلي شيخ مشايخ الأزهر في عصره، كذا ذكر نسبه شيخنا السيد مرتضى نقلا عن سبطه العلامة محمد بدر الدين، أخذ عن شيوخ عدة كالشيخ سلطان المزاحي والشيخ علي الشبراماسي، وأجازه البابلي وأخذ عنه اليليدي والملوي والجوهري والشبراوي بواسطة الشيخ عبد ربه الديوي، توفي سنة اثنتين ومائة وألف.
ومات الشريف المعمر أبو الجمال محمد بن عبد الكريم الجزائري روى عن أبي عثمان سعيد قدورة وأبي البركات عبد القادر وأبي الوقاء الحسن ابن مسعود البوسي وأبي الغيث القشاشي، وأجازه البابلي والأجهوري ومحمد الزرقاني وعبد العزيز بن محمد الزمزمي والشبراملسي والشهاب القليوني والغنيمي والشهاب الشلبي وحمد حجازي الواعظ ومفتي تعز محمد الحبشي والتجم الغزي والقشاشي والشهاب السبكي والمزاحي، توفي سنة اثنتين ومائة وألف.
ومات الإمام العلامة أبو الأمداد خليل بن إبراهيم اللقاني المالكي، أخذ عن والده وعن أخويه عبد السلام ومحمد اللقانيين والنور الأجهوري والشبراملسي والشيخ عبد الله الخرشي والشمس البابلي وسلطان المزاحي والشيخ عامر الشبراوي والشهاب القليوبي والشمس الشوبري الشافعي وأحمد الشوبري الحنفي وعبد الجواد الجنبلاطي ويس العليمي الشامي وأحمد الدواخلي وعلي النبتيتي، وعقد دروساً بالمسجد الحراس وأخذ بها عن محمد بن علان الصديقي، والقاضي تاج الدين المالكي، وبالمدينة عن الوجيه الخياري وغرس الدين الخليلي وأجازوه، توفي سنة خمس ومائة وألف.
ومات الإمام أبو سالم عبد الله بن محمد بن أبي بكر العياشي المغربي الإمام الرحالة، قرأ بالمغرب على شيوخ منهم أخوه الأكبر عبد الكريم ابن محمد والعلامة أبو بكر بن يوسف الكتاني وأمام المغرب سيدي عبد القادر الفاسي والعلامة أحمد بن موسى الابار، ورحل إلى المشرق، فقرأ بمصر على النور الأجهوري والشهاب الخفاجي وإبراهيم المأموني وعلى الشبراملسي والشمس البابلي وسلطان المزاحي وعبد الجواد الطريني المالكي، وجاور بالحرمين عدة سنين فأخذ عن زين العابدين الطبري وعبد الله بن سعيد باقشير وعلي بن الجمال وعبد العزيز الزمزمي وعيسى الثعالبي والشيخ إبراهيم الكردي، وأجازوه ورجع إلى بلاده وأقام بها إلى أن توفي سنة تسعين وألف، وله رحلة مجلدات وذكر فيها أنه أجتمع بالشيخ حسن العجمي وأجاز كل صاحبه، ومات الإمام الحجة عبد الباقي بن يوسف بن أحمد بن محمد بن علوان الزرقاني المالكي الوفائي، ولد سنة عشرين وألف بمصر ولازم النور الاجهوري مدة، وأخذ عن الشيخ يس الحمصي والنور الشبراملسي، وحضر في دروس الشمس البابلي الحديثية، وأجازه جل شيوخه وتلقى الذكر من أبي الإكرام بن وفي سنة خمس وأربعين وألف، وتصدر للإقراء بالأزهر وله مؤلفات منها شرح مختصر خليل وغيره توفي في رابع عشرين رمضان سنة تسع وتسعين وألف، وصلى عليه إماماً بالناس الشيخ محمد قوشي.
ومات عالم القدس الشيخ عبد الرحيم بن أبي اللطف الحسيني الحنفي المقدسي، قرأ بمكة على الإمام زين العابدين بن عبد القادر الطبري وبمصر على الشيخ الشبراملسي والشمس البابلي والشمس الشوبري والفقه على الشهاب الشوبري الحنفي وحسن الشرنبلالي وعبد الكريم الحموي الطرابلسي، وبدمشق على السيد محمد بن علي بن محمد الحسيني المقدسي الدمشقي توفي غريباً بأدرنة سنة أربع ومائة وألف.
ومات الإمام العلامة شمس الدين محمد بن قاسم بن إسمعيل البقري المقرئ الشافعي الصوفي الشناوي أخذ علم القراءات عن الشيخ عبد الرحمني اليمني والحديث عن البابلي والفقه عن المزاحي والزيادي والشوبري ومحمد المنياوي والحديث أيضا عن النور الحلبي والبرهان اللقاني والطريقة عن عمه الشيخ موسى بن إسمعيل البقري والشيخ عبد الرحمن الحلبي الأحمدي وغالب علماء مصر، أما تلميذه أو تلميذ تلميذه، وألف وأجاد وانفرد ومولده سنة ثماني عشرة وألف وتوفي في رابع عشرى جمادى الثانية سنة إحدى عشرة ومائة وألف عن ثلاث وتسعين سنة.
ومات الأديب الفاضل الشاعر أبو بكر بن محمود بن أبي بكر بن أبي الفضل العمري الدمشقي الشافعي الشهير بالصفوري ولد بدمشق وبها نشأ ورحل إلى مصر وتوطنها وأخذ بها عن الشمس البابلي، ونظم سيرة الحلبي ولم يتمه، وجمع ديوان شعره باسم الأستاذ محمد بن زين العابدين البكري وكان من الملازمين، له توفي سنة اثنتين ومائة وألف، ودفن بتربة الشيخ فرج خارج بولاق عند قصر الأستاذ البكري.
ومات السيد عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن محمد كريشه بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد الرحمن السقاف، ترجمة صاحب المشرع فقال ولد بمكة وتربى في حجر والده وأدرك شيخ الإسلام عمر ابن عبد الرحيم البصري، وصحب الشيخ محمد بن علوي وألبسه الخرقة، وكذا أبو بكر بن حسين العيدروس الضرير وزوجه أبنته وأخذ عنه العلوم الشرعية، وزار جده وعاد إلى مكة وبها توفي ليلة الجمعة سنة أربع ومائة وألف.
ومات الأستاذ زين العابدين محمد بن محمد بن محمد ابن الشيخ أبي المكارم محمد أبيض الوجه البكري الصديقي ولد سنة ستين وألف وكان تاريخ ولادته أشرق الأفق بزين العابدين توفي سنة سبع ومائة وألف في الفصل ودفن عند أسلافه بجوار الإمام الشافعي رضي الله عنه.
ومات السند شيخ الشيوخ برهان الدين إبراهيم بن حسن بن شهاب الدين الكوراني المدني ولد بشهر ان في شوال سنة خمس وعشرين وألف وأخذ العلم عن محمد شريف الكوراني الصديقي، ثم أرتحل إلى بغداد وأقام بها مدة، ثم دخل دمشق ثم إلى مصر ثم إلى الحرمين وألقى عصا تسياره بالمدينة المنورة ولازم الصيفي القشاشي وبه تخرج وأجازه الشهاب الخفاجي والشيخ سلطان والشمس البابلي وعبد الله بن سعيد اللاهوري وأبو الحسين علي بن مطير الحكمي، وقد أجاز لمن أدرك عصره ووفي ثامن عشرين جمادى الأولى سنة إحدى ومائة وألف.
ومات الإمام العلامة برهان الدين إبراهيم بن مرعي الشبرخيتي المالكي تفقه على الشيخ الاجهوري والشيخ يوسف الفيشي، وله مؤلفات منها شرح مختصر خليل في مجلدات، وشرح علي العشماوي وشرح على الأربعين النووية وشرح على ألفية السيرة للعراقي مات غريقا بالنيل وهو متوجه إلى رشيد سنة ست ومائة وألف.
ومات الأستاذ أبو السعود بن صلاح الدين الدنجيهي الدمياطي المولد والمنشأ الشافعي الفال البارع ولد سنة ألف وستين وجود القرآن على العلامة بن المسعودي أبي النور الدمياطي ثم قدم مصر ولازم دروس الشهاب البشبيشي وجد في الأشغال وقدم مكة وتوفي وهو راجع من الحج بالمدينة في أوائل المحرم سنة تسع ومائة وألف.
ومات الإمام العلامة مفتي المسلمين الشيخ حسن بن علي بن محمد ابن عبد الرحمن الجيرتي الحنفي وهو جد الشيخ الوالد أخذ عن أشياخ عصره من أهل القرن الحادي عشر كالبابلي والاجهوري والزرقاني وسلطان المزاحي والشبراملسي والشهاب الشويري، وتفقه على الشيخ حسن الشرنبلالي الكبير ولازمه ملازمة كلية، وكتب تقاريره على نسخ الكتب التي حضرها عليه ومنها كتاب الأشباه والنظائر للعلامة بن نجيم وكتاب الدرر شرح الغرر لملاخسرو وكلا النسختين بخطه الأصلي وما عليهما من الهوامش، ثم جرد ما عليهما فصارا تأليفين مستقلين وهما الحاشيتان المشهورتان على الدرر والأشباه للعلامة الشرنبلالي وكلتا النسختين وما عليهما من الهوامش موجودتان عندي إلى الآن بخط المترجم، ومن تآليفه رسالة على البسملة. ولما توفي الأستاذ الشرنبلالي في سنة تسع ستين وألف تصدر بعده للإفادة والتدريس والإفتاء وأقرأ ولده الشيخ حسن وتقيد به حتى ترعرع وتمهر وتوفي المترجم في سنة ست وتسعين وألف، وترك الجد إبراهيم صغيراً فربته والدته الحاجة مريم بنت المرحوم الشيخ محمد المنزلي حتى بلغ رشده، فزوجته ببنت عبد الوهاب أفندي الدلجي، وعقد عقده عليها بحضرة كل من الشيخ جمال الدين يوسف أبي الإرشاد ابن وفي والشيخ عبد الحي الشرنبلالي الحنفي وشهاب الدين أحمد المرحومي والشيخ شهاب الدين أحمد البرماوي والشيخ زين الدين أبي السعود الدنجيهي الشافعي الدمياطي شيخ المدرسة المتبولية والشيخ شمس الدين محمد الارمناوي وغيرهم المثبتة أسماؤهم في حجة العقد في كاغد كبير رومي محرر ومسطر بالذهب وعليه لوحة مموهة بالذهب مؤرخة بغاية شعبان سنة ثمان ومائة وألف وهي محفوظة عندي إلى الآن بإمضاء موسى أفندي بمحكمة الصالحية النجمية وبني بها في ربيع أول وحملت منه بالمرحوم الوالد وفات الحد بعد ولادة الوالد بشهر واحد وذلك في سنة عشر ومائة وألف وعمره ست عشرة سنة لا غير.
وماتت الإمام العلامة نور الدين حسن بن أحمد بن العباس بن أحمد ابن العباس بن أبي سعيد المكناسي ولد بها سنة ألف واثنتين وخمسين وقر الفاسي وكثيرين، وقدم مصر سنة أربع وسبعين وألف وحضر دروس على محمد بن أحمد الفاسي نزيل مكناس وحضر دروس سيدي عبد القادر الشبراملسي ومنصور الطوخي وأحمد البشبيشي ويحيى الشهاوي، وحج وأجتمع على السيد عبد الرحمن المحجوب المكناسي وكانت له مشاركة في سائر العلوم مات بمصر سنة إحدى ومائة وألف.
ومات الشيخ الإمام العلامة إبراهيم ابن محمد بن شهاب الدين بن خالد البرماوي الأزهري الشافعي الأنصاري الأحمدي شيخ الجامع الأزهر، قرأ على الشمس الشوبري والمزاحي والبالبلي والشبراملسي ثم لازم دروس الشهاب القليوبي وأختص به، وتصدر بعده بالتدريس في محله، توفي سنة ست ومائة وألف، روى عنه محمد بن خليل العجلوني وعلي ابن علي المرحومي نزيل مخا، ورافقه المليحي في دروس القليوبي وترجمه وأثنى عليه وله تآليف عديدة.
ومات عالم المغرب الشيخ الإمام نور الدين حسن بن مسعود اليوسي قدم مكة حاجا سنة اثنتين ومائة وألف وله مؤلفات عديدة مشهورة، توفي بالمغرب سنة إحدى عشرة ومائة وألف.
ومات الإمام العلامة شيخ الشيوخ الشيخ شاهين بن منصور بن عامر ابن حسن الارمناوي الحنفي ولد ببلده سنة ثلاثين وألف وحفظ القرآن والكنز والألفية والشاطبية والرجبية وغيرها ورحل إلى الأزهر فقرأ بالروايات على العلامة المقرئ عبد الرحمن اليمني الشافعي، ولازم في الفقه العلامة أحمد الشوبري وأحمد المنشاوي الحنفيين وأحمد الرفاعي ويس الحمصي ومحمد المنزلاوي وعمر الدفري والشهاب القليوبي عبد السلام اللقاني وإبراهيم الميموني الشافعي وحسن الشرنبلالي الحنفي، وفي العلوم العقلية شيخ الإسلام محمد الشهير بسيبويه تلميذ أحمد بن قاسم العبادي ولازمه كثيراً وبشره بأشياء حصلت له، وأخذ عن العلامة سري الدين الدروري والشيخ علي الشبراملسي والشمس البابلي وسلطان المزاحي، وأجازه جل شيوخه وتصدر للإقراء في الأزهر في فنون عديدة وعنه أخذ جمع من الأعيان كمحمد ابن حسن الملا والسيد علي الحنفي وغيرهما، توفي سنة إحدى ومائة وألف.
ومات العلامة الشيخ أحمد بن حسن البشتكي أخذ عن البناء وعن الشيخ محمد الشرنبابلي وتوفي سنة عشر ومائة وألف.
ومات السيد الشريف عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بلفقيه التريمي الإمام الفقيه المحدث أخذ عن مصطفى بن زين العابدين العبدروس والسيد محمد سعيد وعنه ولده عبد الرحمن والسد شيخ بن مصطفى العيدروس وأخواه زين العابدين وجعفر توفي ببندر الشحر في آخر جمادى سنة أربع ومائة وألف.
ومات خاتمة المحدثين بمصر شمس السنة محمد بن منصور الآطفيحي الوفائي الشافعي ولد سنة اثنتين وأربعين وألف، وأخذ عن أبي الضياء علي الشبراملسي وعن الشمس البابلي والشيخ سلطان المزاحي والشمس محمد عمر الشوبري والصوفي والسهاب أحمد القليوبي، توفي سنة خمس عشرة ومائة وألف تاسع عشر شوال.
ومات إمام المحققين الشيخ عبد الحي بن عبد الحق بن عبد الشافي الشرنبلالي الحنفي علامة المتأخرين وقدوة المحققين، ولد ببلده ونشأ بها ثم أرتحل إلى القاهرة واشتغل بالعلوم، وأخذ عن الشيخ حسن الشرنبلالي والشهاب أحمد الشوبري وسلطان المزاحي والشمس البابلي وعلى الشبراملسي والشمس محمد العناني والسري محمد بن إبراهيم الدروري والسراج عمر بن عمر الزهري المعروف بالدفري، وتفقه بهم ولازم فضلاء عصره في الحديث والمعقول، وأخذ أيضاً عن الشيخ العلامة يس بن زين الدين العليمي الحمصي والشيخ عبد المعطي البصير والشيخ حسن النماوي وابن خفاجي وأجتهد وحصل واشتهر بالفضيلة والتحقيق وبرع في الفقه والحديث وأكب عليهما آخراً واشتهر بهما، وشارك في النحو والأصول والمعاني والصرف والفرائض مشاركة تامة وقصدته الفضلاء وانتفعوا به وانتهت إليه رياسة مصر. توفي سنة سبع عشرة ومائة وألف ودفن عند معبد السيدة نفيسة.
ومات الشيخ الإمام الفقيه الفرضي الحيسوب صالح بن حسن بن أحمد بن علي البهوتي الحنبلي أخذ عن أشياخ وقته، وكان عمدة في مذهبه وفي المعقول والمنقول والحديث، وله عدة تصانيف وحواش وتعليقات وتقييدات مفيدة متداولة بأيدي الطلبة، أخذ عن الشيخ منصور البهوتي الحنبلي ومحمد الخلوتي وأخذ الفرائض عن الشيخ سلطان المزاحي ومحمد الدلجموني وهو من مشايخ الشيخ عبد الله الشبراوي، ولازم عمه الشمس الخاوثي وأخذ الحديث عن الشيخ عامر الشبراوي وله ألفية في الفقه وألفية في الفرائض ونظم الكافي. توفي يوم الجمعة ثامن عشرين ربيع الأول سنة إحدى وعشرين ومائة وألف.
ومات الإمام العلامة محمد فارس التونسي من ذرية سيدي حسن الششتري الأندلسي هو والد الشيخ محمد ابن محمد فارس من أكابر الصوفية، كان يحفظ غالب ديوان جده أقام بدمياط مدة ثم رجع إلى مصر ومات بها سنة أربع عشرة ومائة وألف.
ومات الإمام العلامة الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن يوسف ابن أحمد بن علوان الزرقاني المالكي خاتمة المحدثين مع كمال المشاركة وفصاحة العبارة في باقي العلوم، ولد بمصر سنة خمس وخمسين وألف وأخذ عن النور الشبراملسي وعن حافظ العصر البابلي وعن والده، وحدث عنه العلامة السيد محمد بن محمد ابن محمد الأندلسي وعبد الله الشبراوي والملوي والجوهري والسيد زين الدين عبد الحي ابن زين العابدين بن الحسن البهنسي وعمر بن يحيى بن مصطفى المالكي والبدر البرهاني، وله المؤلفات النافعة كشرح الموطأ وشرح المواهب، واختصر المقاصد الحسنة للسخاوي، ثم اختصر هذا المختصر في نحو كراسين بإشارة والده وعم نفعها، وكان معيداً لدروس الشبراملسي، وكان يعتني بشأنه كثيراً وكان إذا غاب يسأل عنه ولا يفتتح درسه إلا إذا حضر مع أنه أصغر الطلبة، فكان محسوداً لذلك في جماعته، وكان الشيخ يعتذر عن ذلك ويقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم أوصاني به. توفي سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف.
ومات الشيخ رضوان إمام الجامع الأزهر في غرة رمضان سنة خمس عشرة ومائة وألف.
ومات الشيخ المجذوب أحمد أبو شوشة خفير باب زويلة، وكانت كراماته ظاهرة وكان يضع في فمه نحو المائة إبرة ويأكل ويشرب وهي في فمه لا تعوقه عن الأكل والشرب والكلام، مات في يوم الثلاثاء سابع عشري جمادى الآخرة خمس عشرة ومائة وألف.
ومات السند العمدة الشيخ حسن أبو البقاء بن علي ابن يحيى بن عمر العجمي المكي الحنفي صاحب الفنون، ولد سنة تسع وأربعين وألف كما وجدته بخط والده بمكة وبها نشأ وحفظ القرآن وعدة متون، وأخذ عن الشيخ زين العابدين الطبري وعلي بن الجمال وعبد الله بن سعيد باقشير والسيد محمد صادق وحنيف الدين المرشدي والشمس البابلي، وبالمدينة علي القشاشي ولبس منه الخرقة وأخذ عن جمع من الوافدين كعيسى الجعفري ومحمد بن محمد العيثاوي الدمشقي وعبد القادر بن أحمد الفضي الغزي وعبد الله بن أبي بكر العياشي، وأجازه جل شيوخه وكتب إليه بالإجازة غلب مشايخ الأقطار كالشيخ أحمد العجلي وهو من المعمرين والشيخ علي الشبراملسي وعبد القادر الصفوري الدمشقي والسيد محمد بن كمال الدين بن حمزة الدمشقي والشيخ عبد القادر الفاسي، واعتنى بأسانيد الشيوخ بالحرم وأفاد وانتفع به جماعة من الأعلام كالشيخ عبد الخالق الزجاجي الحنفي المكي وأحمد بن محمد بن علي المدرس المدني وتاج الدين الدهان الحنفي المكي ومحمد بن الطيب بن محمد الفاسي والشيخ مصطفى بن فتح الله الحموي، توفي ظهر يوم الجمعة ثالث شوال سنة ثلاث عشرة ومائة وألف بالطائف، ودفن بالقرب من ابن عباس.
ومات السيد عبد الله الإمام الشيخ أحمد المرحومي الشافعي وذلك سنة اثنتي عشرة ومائة وألف.
ومات الأستاذ المعظم والملاذ المفخم صاحب النفحات والإشارات الشيخ يوسف بن عبد الوهاب أبو الإرشاد الوفائي وهو الرابع عشر من خلفائهم تولى النجادة يوم وفاة والده في ثاني رجب سنة ثمان وتسعين وألف وسار سيراً حسناً بكرم نفس وحشمة زائدة ومعروف وديانة إلى أن توفي في حادي عشر المحرم سنة ثلاث عشرة ومائة وألف ودفن بحوطة أسلافه رضي الله عنهم.
ومات الفقيه محمد بن سالم الحضرمي العوفي أخذ عن سليمان بن أحمد النجار وعنه محمد بن عبد الرحمن بن محمد العيدروس، توفي بالهند سنة إحدى عشرة ومائة وألف.
ومات الإمام العلامة المفيد الشيخ أحمد بن محمد المنفلوطي الأصل القاهري الأزهري المعروف بابن الفقي الشافعي، ولد سنة أربع وستين وألف وأخذ القراءات عن الشمس البقري والعربية عن الشهاب السندوبي وبه تفقه والشهاب البشبيشي ولازمه لسنين العديدة في علوم شتى، وكذا أخذ عن النور الشبراملسي وحضر دروس الشهاب المرحومي وكان إماماً عالماً بارعاً ذكياً حلو التقرير رقيق العبارة جيد الحافظة يقرر العلوم الدقيقة بدون مطالعة مع طلاقة الوجه والبشاشة وطرح التكلف، ومن تآليفه حاشية علي الأشموني لم تكمل وأخرى على شرح أبي شجاع للخطيب ورسالة في بيان السنن والهيئات هل هي داخلة في الماهية أو خارجة عنها وأخرى في أشراط الساعة وشرح البدور السافرة، ومات قبل تبييضه فاختلسه بعض الناس وبيضه ونسبه لنفسه وكتمه. توفي فجأة قيل مسموماً صبيحة يوم الاثنين سابع عشري شوال سنة ثمان عشرة ومائة وألف.
ومات الإمام العالم العلامة الشيخ محمد النشرتي المالكي وهو كان وصياً على المرحوم الشيخ الوالد بعد موت الجد توفي يوم الأحد بعد الظهر وأخر دفنه إلى صبيحة يوم الاثنين، وصلي عليه بالأزهر بمشهد حافل وحضر جنازته الصناجق والأمراء والأعيان وكان يوماً مشهوداً وذلك سنة عشرين ومائة وألف.
ومات السيد أبو عبد الله أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن علي بن محمد بن أحمد ابن الفقيه المقدم ولد بتريم وأخذ عن أحمد بن عمر البيتي والفقيه عبد الرحمن بن علو بلفقيه وأبي بكر بن عبد الرحمن ابن شهاب العيدروس والقاضي أحمد بن الحسين بلفقيه وأحمد بن عمر عبديد وغيرهم، وأجازوه وتميز في العلوم وتمهر ودرس وصنفذ في الفقه والفرائض وممن روى عنه شيخ وجعفر وزين العابدين أولاد مصطفى بن زين العابدين بن العيدروس ومصطفى بن شيخ مصطفى العيدروس وغيرهم توفي بالشحر سنة ثمان عشرة ومائة وألف.
ومات الأديب الأريب الشيخ أحمد الدلنجاوي شاعر وقته، له ديوان في مجلد.
ومات الشيخ العلامة المفيد سليمان الجنزوري الأزهري، توفي سنة أربع وعشرين ومائة وألف.
ومات الإمام المحدث الإخباري مصطفى بن فتح الله الحموي الحنفي المكي أخذ عن العجمي والبابلي والنخلي والثعالبي والبصري والشبراملسي والمزاحي ومحمد الشلبي وإبراهيم الكوراني وشاهين الأرمناوي والشهاب أحمد البشبيشي وأكثر عن الشاميين، وله رحلة إلى اليمن توسع فيها في الأخذ عن أهلها وألف كتاباً في وفيات الأعيان سماه فوائد الإرتحال ونتايج السفر في أخبار أهل القرن الحادي عشر، توفي سنة أربع وعشرين ومائة وألف، حدث عنه السيد عمر بن عقيل العلوي.
ومات السيد السند صاحب الكرامات والإشارات السيد عبد الرحمن السقاف باعلوى نزيل المدينة. قال الشيخ العيدروس في ذيل المشرع: ولد بالديار الحضرمية ورحل إلى الهند فأخذ بها الطريقة النقشبندية عن الأكابر العارفين واشتغل بها حتى لاحت عليه أنوارها، وورد الحرمين فقطن بالمدينة المنورة وبها تزوج الشريفة العلوية العيدروسية من ذرية السيد عبد الله صاحب الرهط، وممن أخذ عليه بها الطريقة الشيخ محمد حياة السندي بإشارة بعض الصالحين وكان المترجم يخبر عن نفسه أنه لم يبق بيني وبين رسول الله صلى الله وسلم حجاب وأنه لم يعط الطريقة النقشبندرية لأحد إلا بإذن رسول الله صلى الله فيه وسلم وأنه أعطى سيف أبي بكر بن العيدروس الأكبر الذي يشير إليه بقوله:
وسيفي في غمده ** لدفع الشدائد معدود

وقوله:
بسيفي يلاقي المهند ** وقائع تشيب الولود

ولم يزل على طريقة حميدة حتى توفي بها سنة أربع وعشرين ومائة وألف.
ومات الإمام الهمام عمدة المسلمين والإسلام الشيخ عبد ربه بن أحمد الديوي الضرير الشافعي أحد العلماء مصابيح الإسلام، ولد ببلده ونشأ بها ثم ارتحل إلى دمياط وجاور بالمدرسة المتبولية فحفظ القرآن وعدة متون منها البهجة الوردية، واشتغل هناك على أفاضلها كالشمس ابن أبي النور ولازمه في الفنون وتفقه به وقرأ عليه القرآن بالروايات وأخذ عنه الطريق وتهذب به، ثم ارتحل إلى القاهرة فحضر عند الشهاب البشبيشي قليلاً، ثم لازم الشمس الشرنبابلي في فنون، إلى إن توجه إلى الحج، فأمره بالجلوس موضعه والتقييد بجماعته فتصدى لذلك وعم النفع وبرعت طلبته وقصدته الفضلاء من الآفاق وكان إماماً فاضلاً فقيهاً نحوياً فرضياً حيسوباً وعروضياً تحريراً ماهراً كثير الاستحضار غريب الحافظة صافي السريرة مشتغل الباطن بالله جميل الظاهر بالعلم، توفي يوم السبت ثالث عشر ربيع الآخرة ودفن يوم الأحد بعد الصلاة عليه بالأزهر بمشهد حافل عظيم اجتمع فيه الخاص والعام وذلك سنة ست وعشرين ومائة وألف.
ومات الشيخ الإمام والعمدة الهمام عبد الباقي القليوبي سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف.
ومات الشيخ العلامة أبو المواهب محمد بن الشيخ تقي الدين عبد الباقي ابن عبدالقادر الحنبلي البعلي الدمشقي مفتي السادة الحنابلة بدمشق، ولد بها وأخذ عن والده وعمن شاركه ثم رحل إلى مصر وقرأ بالروايات على مقرئها الشيخ البقري والفقه على الشيخ محمد البهوتي الخوتي والحديث على الشمس البابلي والفنون على المزاحي والشبراملسي والعناني، توفي في شوال سنة ست وعشرين ومائة وألف عن ثلاث وثمانين سنة، حدث عنه الشيخ أبو العباس أحمد بن علي بن عمر الدمشقي كتابه وهو عال والشيخ محمد بن أحمد الحنبلي والسيد مصطفى بن كمال الدين الصديقي وغيرهم.
ومات الإمام العلامة المحقق المعمر الشيخ سليمان بن أحمد بن خضر الخربتاوي البرهاني المالكي هو والد الشيخ داود الخربتاوي الآتي ذكر ترجمته، توفي سنة خمس وعشرين ومائة وألف عن مائة وست عشرة سنة.
ومات الشيخ الإمام العالم العلامة الشيخ أحمد بن غنيم بن سالم بن مهنا النفراوي شارح الرسالة وغيرها، ولد ببلده نفرة ونشأ بها ثم حضر إلى القاهرة فتفقه في مبادئ أمره بالشهاب اللقاني ثم لازم العلامة عبد الباقي الزرقاني والشمس محمد بن عبد الله الخرشي وتفقه بهما وأخذ الحديث عنهما ولازم الشيخ عبد المعطي البصير وأخذ العربية والمعقول عن الشيخ منصور الطوخي والشهاب البشبيشي، واجتهد وتصدر وانتهت إليه الرياسة في مذهبه مع كمال المعرفة والإتقان للعلوم العقلية لا سيما النحو، وأخذ الأعيان وانتفعوا به، ومن مؤلفاته شرح الرسالة وشرح النورية وشرح الآجرومية، توفي سنة خمس وعشرين ومائة وألف عن اثنتين وثمانين سنة.
ومات الإمام العلامة الشهير الشيخ أبو العباس أحمد بن محمد بن عطية ابن عامر بن نوار بن أبي الخير الموساوي الشهير بالخليفي الضرير أصله من الشرق، وقدم جده أبو الخير وكان صالحاً معتقداً وأقام بمنية موسى من أعمال المنوفية فحصل له بها الإقبال ورزق الذرية الصالحة واستمر بها، وولد الشيخ بها ونشأ بها وحفظ القرآن ثم ارتحل إلى القاهرة واشتغل بالعلوم على فضلاء عصره فتفقه على الشمس العناني والشيخ منصور الطوخي وهو الذي سماه بالخليفي لما ثقل عليه نسبة الموسوي، فسأله عن أشهر أهل بلده فقال: أشهرها من أولياء الله تعالى سيدي عثمان الخليفي. فنسبه إليه، ولازم الشهاب البشبيشي وأخذ عنه فنوناً وحضر دروس الشهاب السندوبي والشمس الشرنبابلي وغيرهما وأجازه الشيخ العجمي واجتهد وبرع وحصل وأتقن وتفنن وكان محدثاً فقيهاً أصولياً نحوياً بيانياً متكلماً عروضياً منطقياً آية في الذكاء وحسن التعبير مع البشاشة وسعة الصدر وعدم الملل والسآمة وحلاوة المنطق وعذوبة الألفاظ، انتفع به كثير من المشايخ. توفي في عصر يوم الأربعاء خامس عشر صفر ودفن صبيحة يوم الخميس سادس عشره بالمجاورين سنة سبع وعشرين ومائة وألف عن ستة وستين سنة.
ومات الإمام العمدة الفهامة الشيخ أحمد التونسي المعروف بالدقدوسي الحنفي توفي فجأة بعد صلاة العشاء ليلة الأحد سادس عشر المحرم سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف.
ومات في تلك السنة أيضاً الشيخ العلامة أحمد الشرفي المغربي المالكي.
ومات الشيخ العلامة شيخ الجامع الأزهر الشيخ محمد شنن المالكي وكان مليئاً متمولاً أغنى أهل زمانه بين أقرانه، وجعل الشيخ محمد الجداوي وصياً على ولده سيدي موسى، فلما بلغ رشده سلمه ماله فكان من صنف الذهب البندقي أربعون ألفاً خلاف الجنزلالي والطرلي وأنواع الفضة والأملاك والضياع والوظائف والجماكي والرزق والأطيان، وغير ذلك بدده جميعه ولده موسى وبنى له داراً عظيمة بشاطئ النيل ببولاق، أنفق عليها أموالاً عظيمة ولم يزل حتى مات مديوناً في سنة اثنتين وتسعين ومائة وألف، وترك ولداً مات بعده بقليل وكان للمترجم مماليك وعبيد وجوار ومن مماليكه أحمد بك شنن الآتي ذكره، توفي المترجم سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف عن سبع وسبعين سنة.
ومات العمدة العالم الشيخ أحمد الوسيمي توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة وألف.
ومات الجناب المكرم السيد حسن أفندي نقيب السادة الأشراف وكانت لأبيه وجده وعمه من قبله، وبموته انقرضت دولتهم. وأقيم في منصب النقابة عوضه السيد مصطفى بن سيدي أحمد الرفاعي قائمقام إلى حين ورود الأمر، توفي يوم الجمعة تاسع عشر رجب سنة إحدى وعشرين ومائة وألف، ثم ورد في شهر جمادى سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف السيد عبد القادر نقيباً ونزل ببولاق بمنزل أحمد جاويش الخشاب وهو إذ ذاك باشجاويش الأشراف وبات هناك فوجد في صبحها مذبوحاً في فراشه، وحبس باشجاويش بسبب ذلك بالقلعة ولم يظهر قاتله، وتقلد النقابة محمد كتخدا عزبان سابقاً لامتناع السيد مصطفى الرفاعي عن ذلك ووافى تاريخه ذبح عبد القادر.
ومات العلامة الفقيه المحدث الشيخ منصور بن علي بن زين العابدين المنوفي البصير الشافعي ولد بمنف ونشأ بها يتيماً في حجر والدته وكان باراً بها فكانت تدعو له، فحفظ القرآن وعدة متون ثم ارتحل إلى القاهرة وجاور بالأزهر وتفقه بالشهابيين البشبيشي والسندوبي والشمس الشرنبابلي والزين منصور الطوخي ولازم النور الشبراملسي في العلوم وأخذ عنه الحديث وجد واجتهد وتفنن وبرع في العلوم العقلية والنقلية، وكان إليه المنتهى في الحذق والذكاء وقوة الاستحضار لدقائق العلوم، سريع الإدراك لعويصات المسائل على وجه الحق، نظم الموجهات وشرحها وانتفع به الفضلاء وتخرج به النبلاء وافتخرت بالأخذ عنه الأبناء على الآباء. توفي حادي عشرين جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين ومائة وألف وقد جاوز التسعين.
ومات الإمام العلامة شيخ الشيوخ الشيخ محمد الصغير المغربي سلخ رجب سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف.
ومات الأجل الفاضل العمدة العلامة رضوان أفندي الفلكي صاحب الزيج الرضواني الذي حرره على طريق الدر اليتيم لابن المجدي على أصول الرصد الجديد السمرقندي صاحب كتاب أسنى المواهب وغير ذلك تآليف وحسابيات وتحقيقات لا يمكن ضبطها لكثرتها وكتب بخطه ما ينوف عن حمل بعير مسودات وجداول حسابيات وغير ذلك، وكان بسكن بولاق منجمعا عن خلطة الناس مقبلاً على شأنه، وكان في أيامه حسن أفندي الروزنامجي وله رغبة ومحبة في الفن، فالتمس منه بعض آلات وكرات فأحضر الصناع وسبك عدة كرات من النحاس الأصفر ونقش عليها الكواكب المرصودة وصورها ودوائر العروض والميول وكتب عليها أسماءها بالعربي، ثم طلاها بالذهب وصرف عليها أموالاً كثيرة، وذلك في سنة اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة ومائة وألف. واشتغل عليه الجمالي يوسف مملوك حسن أفندي المذكور وكلارجيه، وتفرغ لذلك حتى أنجب وتمهر وصار من المحققين في الفن واشتهر فضله في حياة شيخه وبعده، وألف كتاباً عظيماً في المحرفات جمع فيه ما تفرق من تحقيقات المتقدمين وأظهر ما في مكنون دقائق الأوضاع والرسومات والأشكال من القوة إلى الفعل، وهو كتاب حافل نافع نادر الوجود وله غير ذلك كثير، ومن تآليف رضوان أفندي المترجم النتيجة الكبرى والصغرى وهما مشهورتان متداولتان بأيدي الطلبة بآفاق الأرض وطراز الدرر في رؤية الأهلة والعمل بالقمر وغير ذلك. توفي يوم السبت ثالث عشري جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف.
ومات الشيخ الصالح قطب الوقت المشهور بالكرامات معتقد أرباب الولايات الشيخ عبد الله النكاري الشافعي الشهير بالشرقاوي من قرية بالشرقية يقال لها النكارية، أخذ عن الشيخ عبد القادر المغربي وكان يحكي عنه كرامات غريبة وأحوال عجيبة. وممن كان يعتقده الشيخ الحفني والشيخ عيسى البراوي والشيخ علي الصعيدي، وقد خص كل واحد بإشارة نالها كما قال له وشملتهم بركته، وأنه تولى القبطانية وكان بينه وبين الشيخ محمد كشك مودة ومؤاخاة. توفي سنة أربع وعشرين ومائة وألف.
ومات الشيخ العمدة المنتقد الفاضل الشاعر البليغ الصالح العفيف حسن البدري الحجازي الأزهري وكان عالماً فصيحاً مفوها متكلماً منتقداً على أهل عصره وأبناء مصره، سمعت من الشيخ الوالد قال رأيته ملازماً لقراءة الكتب الستة تحت الدكة القديمة منجمعاً عن خلطة الناس معتكفاً على شأنه قانعاً بحاله، وله في الشعر طريقة بديعة وسليقة منيعة على غيره رفيعة، وقلما تجد في نظمه حشواً أوتكملة. وله أرجوزة في التصوف نحو ألف وخمسمائة بيت على طريق الصادح والباغم ضمنها أمثالاً ونوادر وحكايات، وديوان على حروف المعجم سماه باسمين تنبيه الأفكار للنافع والضار وأجماع الإياس من الوثوق بالناس، شرح فيه حقيقة شرار الخليقة من الناس المنحرفة طباعهم عن طريقة قويم القياس، استشهد بكثير من كلامه في هذا المجموع بحسب المناسبة وفي بعض الوقائع والتراجم وله مزدوجة سماها الدرة السنية في الأشكال المنطقية، ونظم رسالة الوضع للعلامة العضد ونظم لقطة العجلان في تعريف النقيضين والضدين والخلافين والمثلين، وفي حكم المضارع صحيحاً كان أو معتلاً ورموز الجامع الصغير وختم ديوانه بأراجيز بديعة ضمنها نصايح ونوادر وأمثالاً واستغاثات وتوسلات للقبول موصلات. ومن كلامه في قافية الباء:
كن جار كلب وجار الشرة اجتنب ** ولو أخالك من أم يرى وأب

وجانب الدار أن ضاقت مرافقها ** والمرأة السوء لو معروفة النسب

ومركبا شرس الأخلاق لا سيما ** أن كان ذا قصر أو أبتر الذنب

وله غير ذلك كثير اقتصرنا منه على هذا البعض. توفي سنة إحدى وثلاثين ومائة وألف رحمه الله.
ومات الشيخ الإمام خاتمة المحدثين الشيخ عبد الله بن سالم بن عيسى البصري منشئاً المكي مولداً الشافعي مذهباً، ولد يوم الأربعاء رابع شعبان سنة ثمان وأربعين ومائة وألف كما ذكره الحموي وحفظ القرآن وأخذ عن علي بن الجمال وعبد الله بن سعيد باقشير وعيسى الجعفري وحمد بن محمد بن سليمان والشمس البابلي والشهاب البشبيشي ويحيى الشاوي وعلي بن عبد القادر الطبري والشمس محمد الشنبابلي والبرهان إبراهيم ابن حسن الكوراني ومحدث الشام محمد بن علي الكاملي ولبس الخرقة من يد السيد عبد الغني الدمياطي. وتوفي يوم الاثنين رابع رجب سنة أربع وثلاثين ومائة وألف عن أربع وثمانين سنة ودفن بالمعلاة بمقام الولي سيدي عمر العرابي قدس سره، حدث عن شيوخ العصر ابن أخته السيد العلامة عمر بن أحمد بن عقيل العلوي والشهاب أحمد الملوي والجوهري وعلاء الدين بن عبد الباقي المزجاجي الزبيدي والسيد عبد الرحمن بن السيد عبد الرحمن بن السيد أسلم الحسيني والشبراوي والشيخ الوالد حسن الجبرتي، وعندي سنده وإجازته له بخطه والسيد المجدد محمد بن إسمعيل الصنعاني المعروف بابن الأمير ذي الشرفين كتابة من صنعاء والسيد العلامة حسن بن عبد الرحمن باعيديد العلوي كتابة من المخنا والشيخ المعمر صبغة الله بن الهداد الحنفي كتابة من خير آباد ومحمد بن حسن ابن همان الدمشقي كتابة من القسطنطينية والشهاب بن أحمد بن عمر بن علي الحنفي كتابة من دمشق كلهم عنه، وحدث عنه أيضاً شيوخ المشايخ الشيخ المعمر محمد بن حيوة السندي مزيل المدينة المنورة والشيخ محمد طاهر الكوراني والشيخ محمد ابن أحمد بن سعيد المكي والشيخ العلامة إسمعيل بن محمد بن عبد الهادي بن عبد الغني العجلوني الدمشقي والشيخ عيد بن علي النمرسي الشافعي والشيخ عبد الوهاب الطندتائي والشيخ أحمد باعنتر نزيل الطائف والشهاب أحمد بن مصطفى بن أحمد الإسكندرية وغيرهم، كذا في المربي الكابلي فيمن روى عن البابلي. ومات الرجل الصالح المجذوب الصاحي أحد صلحاء فقراء السادة الأحمدية بدمياط الشيخ ربيع الشيال، كان صالحاً ورعاً ناسكاً حافظاً لأوقاته مداوماً على الصلوات والعبادات والأذكار، دائم الإقبال على الله لا يرى إلا في طاعة إذا أحرم في الصلاة يصفر لونه وتأخذه رعدة، فإذا نطق بالتكبير يخيل لك بأن كبده قد تمزق، وكان يتكسب بحمل الأمتعة للناس بالأجرة مع صرفه جميع جوارحه وأعضائه لما خلق لأجله. توفي سنة إحدى وعشرين ومائة وألف.
ومات الشيخ المقري الصوفي محمد ابن سلامة بن عبد الجواد الشافعي ابن العارف بالله تعالى الشيخ نور الدين ساكن الصخرية من أعمال فارسكور الصخري الدمياطي المعروف بأبي السعود بن أبي النور أستاذ من جمع بين طريقي أهل الباطن والظاهر من أهل عصره، ولد بدمياط ونشأ بها بين صلحائها وفضلائها فحفظ القرآن واشتغل بالعلوم فتفقه بالشيخ حلال الدين الفارسكوري وتلقى المنهج تسع مرات في تسع سنين عن العلامة مصطفى التلباني وأخذ الطريق عن جمع من أكمل العارفين، ثم ارتحل إلى القاهرة فلازم الضياء المزاحي فتفقه به وأخذ عنه فنوناً وقرأ القراءات السبع والعشر عليه وأخذ عن العلامة يس الحمصي فنوناً واجتهد ودأب وأتقن وألف في القراءات وغيرها، وعم النفع به وأخذ عنه جمع من الأفاضل. توفي سنة سبع عشرة ومائة وألف.
ومات أحد الأئمة المشاهير الإمام العلامة شهاب الدين أحمد بن محمد النخلي الشافعي المكي ولد بمكة وبها نشأ وأخذ عن علي بن الجمال وعبد الله بن سعيد باقشير وعيسى الثعالبي ومحمد بن سليمان والشمس البابلي وسليمان بن أحمد الضيلي القرشي والسيد عبد الكريم الكوراني الحسيني والشمس الميداني والشهاب أحمد المفلجى الوفائي والشيخ شرف الدين موسى الدمشقي والشيخ إبراهيم الحلبي الصابوتي والشيخ عبد الرحمن العمادي ومحمد بن علان البكري والصفي القشاشى والشيخ خير الدين الرملى وأبي الحسن البازوري. توفي بمكة سنة ثلاثين ومائة وألف عن تسعين سنة. روى عنه السيد عمر بن أحمد والسيد عبد الرحمن ابن أسلم الحسيني والسيد عبد الله بن إبراهيم بن حسن الحنفي والشهاب أحمد بن عمر بن علي الدمشقي والملوي والجوهري والشبراوي والحفني وحسن الجبرتي والسيد سليمان بن يحيى بن عمر الزبيدي والسيد عبد الله ابن علي الغرابي وإسمعيل بن عبد الله الإسكنداري والشهاب أحمد بن مصطفى الصباغ.
ومات الشيخ الإمام أبو العز محمد بن شهاب أحمد بن أحمد بن محمد ابن العجمي الوفائي القاهري خاتمة المسندين بمصر، سمع على الشمس البابلي المسلسل بالأولية وثلاثيات البخاري وجملة من الصحيح والجامع الصغير وغير ذلك، وذلك بعد عوده من مكة المشرفة كما رأيت ذلك بخط والده الشهاب في نص إجازته لنادرة العصر محمد بن سليمان المغربي. حدث عنه العلامة محمد بن أحمد بن حجازي العشماوي والشيخ أحمد بن الحسن الخالدي وأبو العباس الملوي وأبو علي المنطاوي وولده المعمر أبو العز أحمد.
ومات أبو عبد الله العلامة محمد بن علي الكاملي الدمشقي الشافعي والواعظ انتهى إليه الوعظ بدمشق وكان فصيحاً، روى عن الشبراملسي وعبد العزيز بن محمد الزمزمي والمزاحي والبابلي والقشاشي وخير الدين الرملي. توفي في خامس عشر ذي القعدة سنة إحدى وثلاثين ومائة وألف عن سبع وقيل عن تسع وثمانين، روى عنه أبو العباس أحمد بن علي بن عمر العدوى وهو عال والشيخ محمد بن أحمد الحنبلي.
ومات العلامة صاحب الفنون أبو الحسن بن عبد الهادي السندي الأثري شارح المسند والكتب الستة وشارح الهداية ولد بالسند وبها نشأ وارتجل إلى الحرمين، فسمع الحديث على البابلي وغيره من الواردين. وتوفي بالمدينة سنة ست وثلاثين ومائة وألف.
ومات الأجل العمدة بقية السلف الشيخ عبد العظيم بن شرف الدين بن زين العابدين بن محيي الدين بن ولي الدين أبي زرعة أحمد بن يوسف بن زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري الشافعي الأزهري من بيت العلم والرياسة، جده زكريا شيخ الإسلام عمر فوق المائة وولده يوسف الجمال روى عن أبيه والحافظ السخاوي والسيوطي والقلقشندي، وحفيده محيي الدين روى عن جده وحفيده شرف الدين، والد المترجم روى عن أبيه وعنه الأئمة أبو حامد البديري وغيره، نشأ المترجم في عفاف وتقوى وصلاح معظماً عند الأكابر وكان كثير الإجتماع بالشيخ أحمد بن عبد المنعم البكري ومن الملازمين له على طريقة صالحة وتجارة رابحة حتى مات سنة ست وثلاثين ومائة وألف، وصلي عليه بالأزهر ودفن عند آبائه ومات الشيخ العلامة حسن بن حسن بن عمار الشرنبلالي الحنفي أبو محفوظ حفيد أبي الإخلاص شيخ الجماعة ووالد الشيخ عبد الرحمن الآتي ترجمته في محله، كان فقيهاً فاضلاً محققاً ذا تؤدة في البحث عارفاً بالأصول والفروع. توفي سنة تسع وثلاثين ومائة وألف.
ومات العمدة الفاضل السيد محمد النبتيتي السقاف باعلوي وهو والد السيد جعفر الآتي ذكره أحد السادة الأفراد أعجوبة زمانه ولد باليمن ودخل الحرمين وبها أخذ عن السيد عبد الله باحسين السقاف وكان يأخذه الحال فيطعن نفسه بالسلاح فلا يؤثر فيه وكان يلبس الثياب الفاخرة ويتزيا بزي أشراف مكة. توفي بمكة سنة خمس وعشرين ومائة وألف.
ومات الأجل الأوحد السيد سالم بن عبد الله بن شيخ بن عمر بن شيخ ابن عبد الله بن عبد الرحمن السقاف، ولد بجدة سنة إحدى وثلاثين وألف تقريباً، ثم رحل به والده إلى المدينة وبها حفظ القرآن وغيره ثم إلى مكة وبها سكن، واشتغل على علي بن الجمال وعلى محمد بن أبي بكر الشلبي في سنة اثنتين وسبعين وألف إلى وقت تأليف الكتاب، وجد في تحصيل المكارم والفضائل حتى بلغ الغايات ولبس الخرقة عن والده وعن المحبوب ولازمه وصحبه مدة وله نظم حسن. توفي سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف. ومات الحسيب النسيب السيد محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد ابن عبد الله بن شيخ بن عبد الله بن شيخ العيدروس ولد بتريم وبها نشأ وأخذ عن السيد عبد الله بافقيه وعن والده وعنه أخذ السيد شيخ العيدروس وغيره. توفي ثامن عشر شوال سنة سنة إحدى وثلاثين ومائة وألف.
ومات الشيخ الإمام العالم العلامة محمد بن عبد الرحمن المغربي ناظم كتاب الشفا والمنظومة المسماة درة التيجان ولقطة اللؤلؤ والمرجان. توفي سنة إحدى وأربعين ومائة وألف.
ومات الإمام العلامة والنحرير الفهامة الشيخ علي العقدي الحنفي ولد سنة سبع وخمسين وألف، أدرك الشمس البابلي وشملته إجازته وأخذ الفقه عن السيد الحموي وشاهين الامناوي وعثمان النحراوي والمعقول عن الشيخ سلطان المزاحي وعلي الشبراملسي ومحمد الحبار وعبد القادر الصفوري ولازم عمه العلامة عيسى بن علي العقدي وتفقه به وبالبرهان الوسيمي والشرف يحيى الشهاوي وعبد الحي الشرنبلالي، ولازمه في الحديث والعلوم العقلية أكابر عصره كالشهاب أحمد بن عبد اللطيف اليشبيشي، والشمس محمد بن محمد الشنبابلي والشهاب أحمد بن علي السندوبي، وأخذ عنه الشمائل وغيرها واجتهد وبرع، وأتقن وتفنن واشتهر بالعلم والفضائل، وقصدته الطلبة من الأقطار وانتفعوا به وكان كثير التلاوة للقرآن، وبالجملة فكان من حسنات الدهر ونادرة من نوادر العصر. توفي في شهر ربيع الآخر سنة أربع وثلاثين ومائة وألف عن ست وسبعين سنة وأشهر.
ومات الإمام العلامة الشيخ محمد الحماقي الشافعي، ولد سنة ثلاث وسبعين وألف وتوفي بنخل وهو متوجه إلى الحج في شهر القعدة سنة أربع وثلاثين ومائة وألف.
ومات الإمام المحدث العلامة والبحر الفهامة الشيخ إبراهيم بن موسى الفيومي المالكي شيخ الجامع الأزهر، تفقه على الشيخ محمد بن عبد الله الخرشي، قرأ عليه الرسالة وشرحها وكان معيداً له فهيماً وتلبس بالمشيخة بعد موت الشيخ محمد شنن ومولده سنة اثنتين وستين وألف، أخذ عن الشبراملسي والزرقاني والشهاب أحمد البشبيشي وغيرهم كالشيخ الغرقاوي وعلي الجزايرلي الحنفي وأخذ الحديث عن يحيى الشاوي وعبد القادر الواطي وعبد الرحمن الأجهوري والشيخ إبراهيم البرماوي والشيخ محمد الشرنبابلي وآخرين وله شرح على العزية في مجلدين. توفي سنة سبع وثلاثين ومائة وألف عن خمس وسبعين سنة.
ومات الجناب المكرم والملاذ المفخم محمد الدادة الشرايبي وكان إنساناً كريم الأخلاق طيب الأعراق جميل السمات حسن الصفات يسعى في قضاء حوايج الناس ويؤاسي الفقراء، ولما ثقل في المرض قسم ماله بين أولاده وبين الخواجا عبد الله بن الخواجا محمد الكبير وبين ابن أحمد أخي عبد الله كما فعل الخواجا الكبير، فإنه قسم المال بين الدادة وبين عبد الله وأخيه أحمد، وكان المال ستمائة كيس، والمال الذي قسمه الدادة بين أولاده وبين عبد الله وابن أخيه وهم قاسم وأحمد ومحمد جربجي وعبد الرحمن والطيب وهؤلاء أولاده لصلبه وعبد الله بن الخواجا الكبير وابن أخيه الذي يقال له ابن المرحوم ألف وأربعمائة وثمانون كيساً خلاف خان الحمزاوي وغيره من الأملاك وخلاف الرهن الذي تحت يده من البلاد وفائظها ستون كيساً والبلاد المختصة به أربعون كيساً وذلك خلاف الجامكية والوكائل والحمامات وثلاث مراكب في بحر القلزم، وكل ذلك أحداث الدادة وأصل المال الذي استلمه الدادة في الأصل من الخواجا محمد الكبير سنة إحدى عشرة ومائة وألف تسعون كيساً لما عجز عن البيع والشراء، ولما فعل ذلك وقسم المال بين الدادة وبين عبد الله وأخيه بالثلث غضب عبد الله وقال هو أخ لنا ثالث فقال أبو عبد الله: والله لا يقسم المال إلا مناصفة له النصف ولك ولأخيك النصف وهذا الموجود كله لسعد الدادة ومكسبه فإني لما سلمته المال كان تسعين كيساً وها هو الآن ستمائة كيس خلاف ما حدث من البلاد والحصص والرهن. فكان كما قال وكان جاعلاً لعبد الله مرتباً في كل يوم ألف نصف فضة برسم الشبرقة خلاف المصروف والكساوي له ولأولده ولعياله إلى أن مات يوم السبت سادس عشر رجب سنة سبع وثلاثين ومائة وألف، وحضر جنازته جميع الأمراء والعلماء وأرباب السجاجيد والوجاقات السبعة والتجار وأولاد البلد، وكان مشهده عظيماً حافلاً بحيث أن أول المشهد داخل إلى الجامع ونعشه عند العتبة الزرقاء، وكان ذكياً فهيماً دراكاً سعيد الحركات وعلى قدر سعة حاله وكثرة إيراده ومصرفه لم يتخذ كاتباً، ويكتب ويحسب لنفسه.
ومات الشيخ الإمام العالم العلامة مفرد الزمان ووحيد الأوان محمد ابن محمد بن محمد بن الولي شهاب الدين أحمد بن العلامة حسن بن العارف بالله تعالى علي بن الولي الصالح سلامة بن الولي الصالح العارف بدير بن محمد بن يوسف شمس الدين أبو حامد البديري الحسيني الشافعي الدمياطي، مات جده بدير بن محمد سنة ستمائة وخمسين في وادي النسور وحفيده حسن ممن أخذ عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، أخذ أبو حامد المترجم عن الشيخ الفقيه العلامة زين الدين السلسلي إمام جامع البدري بالثغر وهو أول شيوخه قبل المجاورة ثم رحل إلى الأزهر فأخذ عن النور أبي الضياء علي بن محمد الشبراملسي الشافعي والشمس محمد بن داود العناني الشافعي قراءة على الثاني بالجنبلاطية خارج مصر القاهرة وأمام شرف الدين بن زين العابدين بن محي الدين بن ولي الدين بن يوسف جمال الدين بن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري والمحدث المقري شمس الدين محمد بن قاسم البقري شيخ القراء والحديث بصحن الجامع الأزهر والشيخ عبد المعطي الضرير المالكي وشمس الدين محمد الخرشي والشيخ عطية القهوقي المالكي والشيخ المحدث منصور بن عبد الرزاق الطوخي الشافعي إمام الجامع الأزهر والشيخ المحدث العلامة شهاب الدين أبي العباس أحمد بن محمد بن عبد الغني الدمياطي الشافعي النقشبندي والمحقق شهاب الدين أحمد بن عبد اللطيف البشبيشي الشافعي وحيسوب زمانه محمود بن عبد الجواد بن العلامة الشيخ عبد القادر المحلي والعلامة الشيخ سلامة الشبيني والعلامة المهندس الحيسوب الفلكي رضوان أفندي ابن عبد الله نزيل بولاق، ثم رحل إلى الحرمين فأخذ بهما عن الإمام أبي العرفان إبراهيم بن حسن بن شهاب الدين الكوراني في سنة إحدى وتسعين وألف والسيدة قريش وأختها بنت الإمام عبد القادر الطبري في سنة اثنتين وتسعين وألف، روى وحدث وأفاد وأجاد، أخذ عن الشيخ محمد الخفني وبه تخرج وأخوه الجمال يوسف والشيخ العارف بالله تعالى السيد مصطفى بن كمال الدين البكري وهو من أقرانه والفقيه النحوي الأصولي محمد بن يوسف الدنجيهي الشافعي والعلامة عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن البشبيشي الشافعي الدمياطي ومصطفى بن عبد السلام المنزلي. توفي المترجم أبو حامد بالثغر سنة أربعين ومائة وألف.
ومات العلامة الهمام محمد بن أحمد بن عمر الأسقاطي الأزهري نزيل إدلب كان جل تحصيله بمصر على والده وبه تخرج وتفنن وصار له قدم راسخ وله مشايخ آخرون أزهريون، فلما نزل إدلب تلقاه شيخ العلماء بها أحمد ابن حسين الكاملي فأنزله عنده وأكرمه غاية الإكرام وأرشد الطلبة إليه فانتفعوا به جداً، ولم يزل مفيداً على أكمل الحالات حتى مات سنة تسع وثلاثين ومائة وألف.
ومات الشيخ العلامة الزاهد الياس بن إبراهيم الكوراني الشافعي، ولد بكوران سنة إحدى وثلاثين وألف وأخذ العلم بها عن عدة مشايخ، وحج ودخل مصر والشام وألقى بها عصا التسيار عاكفاً على إقراء العلوم العقلية والنقلية، وكان على غاية من الزهد، وروى عنه شيوخ العصر كالشيخ أحمد الملوي والشهاب أحمد بن علي المنيني وله المؤلفات والحواشي. توفي بدمشق بمدرسة جامع العراس بعد العصر من يوم الأربعاء لأربع عشرة ليلة بقين من شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائة وألف ودفن بمقبرة باب الصغير بالقرب من قبر الشيخ نصر المقدسي رحمه الله.
ومات الإمام العالم العلامة المحدث أبو عبد الله محمد بن علي المعمر الكاملي الدمشقي الشافعي، ولد سنة أربع وأربعين وألف وأخذ العلم عن جماعة كثيرين، وروى وحدث وانتهى إليه الوعظ بدمشق وكان فصيحاً وإذا عقد مجلس الوعظ تحت قبة النسر غصت أركانها الأربعة بالناس، وكان يحضره في دروس الجامع الصغير كثير من الأفاضل وتزدحم عليه الناس العوام لعذوبة تقريره، روى عنه ولده عبد السلام ومحمد بن أحمد الطرطوسي والشيخ أبو العباس أحمد المنيني. توفي في منتصف القعدة سنة إحدى وثلاثين ومائة وألف.
ومات الأستاذ بقية السلف الشيخ مصلح الدين بن أبي الصلاح عبد الحليم بن يحيي بن عبد الرحمن بن القطب سيدي عبد الوهاب الشعراني قدس سره، جلس على سجادة أبيه وجده وكان رجلاً صالحاً مهيباً مجذوباً. توفي يوم الثلاثاء تاسع ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة وألف، ولم يعقب إلا ابنته وابن عمة له وهو سيدي عبد الرحمن استخلف بعده وابن أخت له من إبراهيم جربجي باشجاويش الجاويشية جعلوا لكل منهم الثلث في الوقف وحرر الفائظ اثني عشر كيساً.
ومات الأستاذ المجذوب الصاحي الشيخ أحمد بن عبد الرزاق الروحي الضماطي الشناوي الجمال، كان والده جمالاً من أتباع المشايخ الشناوية وحفظ القرآن واشتغل بالذكر والعبادة إلى أن حصل له جذبة وربما اعتراه استغراق، وكان من أكابر الأولياء أصحاب الكرامات. توفي في رمضان سنة أربع وعشرين ومائة وألف.
ومات الأستاذ العلامة أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الدمياطي الشافعي الشهير بالبناء خاتمة من قام بأعباء الطريقة النقشبندية بالديار المصرية ورئيس من قصد لرواية الأحاديث النبوية، ولد بدمياط ونشأ بها وحفظ القرآن واشتغل بالعلوم على علماء عصره، ثم ارتحل إلى القاهرة فلازم الشيخ سلطان المزاحي والنور الشبراملسيي فأخذ عنهما القراءات وتفقه بهما وسمع عليهما الحديث وعلى النور الأجهوري والشمس الشوبري والشهاب القليوبي والشمس البابلي والبرهان الميوموني وجماعة آخرين، واشتغل بالفنون وبلغ من الدقة والتحقيق غاية قل أن يدركها أحد من أمثاله. ثم ارتحل إلى الحجاز فأخذ الحديث عن البرهان الكوراني ورجع إلى دمياط وصنف كتاباً في القراءات سماه إتحاف البشر بالقراءات الأربعة عشر أبان فيه عن سعة اطلاعه وزيادة اقتداره، حتى أن الشيخ أبو النصر المنزلي يشهد بأنه أدق من ابن قاسم العبادي، واختصر السيرة الحلبيبة في مجلد وألف كتاباً في اشراط الساعة سماه الذخائر المهمات فيما يجب الإيمان به من المسموعات، وارتحل أيضاً إلى الحجاز وحج، وذهب إلى اليمن فاجتمع بسيدي أحمد بن عجيل ببيت الفقيه فأخذ عنه حديث المصافحة من طريق المعمرين وتلقن منه الذكر علىطريق النقشبندية وحل عليه أكسير نظره ولم يزل ملازماً لخدمته إلى أن بلغ مبلغ الكمال من الرجال، فأجازه وأمره بالرجوع إلى بلده والتصدي للتسليك وتلقين الذكر فرجع وأقام مرابطاً بقرية قريبة من البحر المالح تسمى بعزبة البرج، واشتغل بالله وتصدى للإرشاد والتسليك وقصد للزيارة والتبرك والأخذ والرواية وعم النفع به لا سيما في الطريقة النقشبندية، وكثرت تلامذته وظهرت بركته عليهم إلى أن صاروا أئمة يقتدى بهم ويتبرك برؤيتهم. ولم يزل في إقبال على الله تعالى وازدياد من الخير إلى أن ارتحل إلى الديار الحجازية فحج ورجع إلى المدينة المنورة فأدركته المنية بعد شيل الحج بثلاثة أيام في المحرم سنة سبع عشرة ومائة وألف ودفن بالبقيع مساء رحمه الله.
وأما من مات في هذه الأعوام من الأمراء المشاهير فلنقتصر على ذكر بعض المشهورين مما يحسن إيراده في التبيين إذ الأمر أعظم مما يحيط به المجيد، فلنقتصر من الحلي على ما حسن بالجيد ما وصل علمه إلي وثبت خبره لدي، إذ التفصيل في أحوالهم متعذر والدواء من غير حمية غير متيسر، ولم أخترع شيئاً من تلقاء نفسي والله مطلع على أمري وحدسي.
مات الأمير ذو الفقار بك تابع الأمير حسن بك الفقاري، تولى الصنجقية وإمارة الحج في يوم واحد وطلع بالحج إحدى عشرة مرة وتوفي سنة اثنتين ومائة وألف.
ومات أبنه الأمير إبراهيم بك، تولى الإمارة بعد أبيه وطلع أميراً على الحج سنة ثلاث ومائة وألف، وتحارب مع العرب تلك السنة في مضيق الشرفة فكانت معركة عظيمة، وامتنع العرب من حمل غلال الحرمين، فركب عليهم هو ودرويش بك وكبس عليهم آخر الليل عند الجبل الأحمر، وساقوا منهم نحو ألف بعير، ونهب بيوتهم وأحضر الجمال إلى قراميدان، وأحضر أيضاً بدنة أخرى شالوا معهم الغلال والقافلة. وولى من طرفه إبراهيم آغا الصعيدي زعيم مصر أخاف الناس وصار له سمعة وهيبة وطلع بالحج بعد ذلك ثلاث مرار في أمن وأمان. وتاقت نفسه الرئاسة ولا يتم له ذلك إلا بملك باب مستحفظان، وكان بيد القاسمية فأعمل حيلة بمعضدة حسن آغا بلغيه وإغراء علي باشا والي مصر حين ذاك، فقلد رجب كتخدا مستحفظان وسليم أفندي صناجق، ثم عملوا دعوة على سليم بك المذكور انحط فيها الأمر على حبسه وقتله. فلما رأى رجب بك ذلك ذهب إلى إبراهيم بك واستعفى من الإمارة فقلده سردار جداوي وسافر من القلزم، وتوفي بمكة وخلف ولد اسمه باكير حضر إلى مصر بعد ذلك، ولما قتل سليم بك المذكور لا عن وارث، ضبط مخلفاته الباشا لبيت المال وأخذوا جميع ما في بيته الذي بالأزبكية المجاور لبيت الدادة أبي قاسم الشرايبي، وهو الذي اشتراه القاضي مواهب أبو مدين جربجي عزبان في سنة أربع ومائة وألف. وقتلوا أيضاً خليل كتخدا المعروف بالجلب، وقلدوا كجك محمد باشا أوده باشا وصار له كلمة وسمعة، ونفى مصطفى كتخدا القازدغلي إلى أرض الحجاز. وصفا الوقت لإبراهيم بك وكجك محمد من طرفة في باب مستحفظان، فعزم على قطع بيت القاسمية فأخرج إيواظ بك إلى إقليم البحيرة وقاسم بك إلى جهة بني سويف وأحمد بك إلى المنوفية. وخلا له الجو وانفرد بالكلمة في مصر وصار منزله بدرب الجماميز مفتوحاً ليلاً ونهاراً لقضاء الحوايج مع مشاركة الأمير حسن آغا بلغيه، ثم أنه عزم على قتل إبراهيم بك أبي شنب واتفق مع الباشا على ذلك بحجة المال والغلال التي عليه، فلم يتم ذلك ولم يزل المترجم أميراً على الحج إلى أن مات في فصل الشحاتين سنة ستع ومائة وألف وطلع بالحج خمس مرات.
ومات الأمير إسمعيل بك الكبير الفقاري تابع حسن بك الفقاري وصهر حسن آغا بلغيه تولى الدفتردارية ثلاث سنين وسبعة أشهر، ثم عزل وسافر أميراً على عسكر السفر إلى الروم، ورجع إلى مصر وأعيد إلى الدفتردارية ثانياً ولم يزل حتى مات سنة تسع عشرة ومائة وألف فجأة ليلة السبت تاسع عشري المحرم، وكانت جنازته حافلة، وخلف ولده محمد بك تولى بعده الإمارة وطلع بالحج سنة سبع وثلاثين ومائة وألف.
ومات الأمير حسن آغا بلغيه الفقاري آغات ككللويان وأصله رومي الجنس تابع محمد جاويش فياله تولى أغاوية العزب سنة خمس وثمانين وألف، ثم عمل متفرقة باشا سنة تسع وثمانين وألف، ثم عزل عنها وتقلد أغات ككللويان سنة ثلاث وتسعين وألف، وكان أميراً جليلاً ذا دهاء ورأي وكلمة مسموعة نافذة بأرض مصر، صاحب سطوة وشهامة وحسن تدبير، ولا يكاد يتم أمر من الأمور الكلية والجزئية إلا بعد مراجعته ومشورته، وكل من انفرد بالكلمة في مصر يكون مشاركاً له، وتزوج بابنة إسمعيل بك الكبير المذكورآنفاً وولد له منها ابنه محمد بك الآتي ذكره الذي تولى إمارة الحج في سنة سبع وثلاثين ومائة وألف ومصطفى كتخدا القازدغلي جد القازدغلية كان أصله سراجاً عنده وهو الذي رقاه حتى صار إلى ما صار إليه. وتفرعت عنه شجرة القازدغلية، وغالب أمراء مصر وحكامها يرجعون في النسبة إلى أحد البيتين وهم بيت بلغيه وبيت رضوان بك صاحب العمارة المتوفى سنة خمس وستين وألف. ولم يترك أولاداً بل ترك حسن بك أمير الحاج المتقدم ذكره ولاجين بك حاكم الغربية وهو صاحب السويقة المنسوبة إليه وأحمد بك أباظه وشعبان بك أبا سنة وقيطاس بك جركس وقانصوه بك وعلي بك الصغير وحمزة بك، هؤلاء قتلوا بعده في فتنه القاسمية بالطرانة. وأما أمراؤه الذين يقتلوا واستمروا أمراء بمصر مدة طويلة فهم محمد بك حاكم جرجا وذو الفقار بك الماحي الكبير، وكان رضوان بك هذا وافر الحرمة مسموع الكلمة، تولى إمارة الحج عدة سنين وكان رجلاً صالحاً ملازماً للصوم والعبادة والذكر، وهو الذي عمر القصبة المعروفة به خارج باب زويلة عند بيته، ووقف وقفاً على عتقائه وعلى جهات بر وخيرات، وكان من الفقارية. وأما رضوان بك أبو الشوارب القاسمي وهو سيد إيواظ بك فظهر بعد موت رضوان بك المذكور وانفرد بالكلمة بمصر مع مشاركة قاسم بك جركس وأحمد بك بشناق الذي كان بقناش السباع وهو قاتل الفقارية بالطراثة وهو أيضاً عم إبراهيم بك بشيناق المعروف بأبي شنب سيد محمد جركس الآتي ذكره. ومات قاسم بك هذا سنة اثنتين وسبعين وألف وهو دفتردار بعد عزله من إمارة الحج وانفرد بعد رضوان بك أبي الشوارب أحمد بك. ثم مات رضوان بك عن ولده أزبك بك وانفرد أحمد بك بشناق بإمارة مصر نحو سبعة أشهر، فطلع يوم عرفه يهني شيطان إبراهيم باشا باليد فغدره وقتلوه بالخناجر أواخر سنة اثنتين وسبعين وألف، ولم يزل حسن آغا لغيه المترجم حتى توفي سنة خمس عشرة ومائة وألف على فراشه وعمره نحو تسعين سنة. ولما مات حسن آغا انفرد بالكلمة بعده صهره إسمعيل بك وخضعت له الرقاب مشاركة إبراهيم بك أبي شنب بضعف.
ومات الأمير مصطفى كتخدا القازدغلي تابع الأمير حسن آغا بلغيه أصله رومي الجنس، حضر إلى مصر وخدم عند حسن أغا المذكور ورقاه ولم يزل حتى تقلد كتخدا مستحفظان، فلما حصل ما تقدم وتقلد كجك محمد باش أوده باشا بالباب خمل ذكر مصطفى كتخدا وخمدت شهرته ثم نفاه كجك محمد إلى الحجاز، فأقام سنتين إلى أن ترجى حسن آغا عند إبراهيم بك أمير الحاج وكجك محمد في رجوعه فردوه إلى مصر، فأقام مع كجك محمد خاملاً فأغرى به رجلاً سجماني كان عنده بناحية طلخا يضرب نشاباً فضرب كجك محمد من شباك الجامع بالمحجر، فأصابه وملك مصطفى كتخدا باب مستحفظان ذلك اليوم ونفى وقتل وفرق من يخشى طرفه، وصفا له الوقت إلى أن مات على فراشه سنة خمس عشرة ومائة وألف.
ومات كجك محمد المذكور باش أوده باشا وكان له سمعة وشهرة وحسن سياسة. ولما قصر مد النيل في سنة ست ومائة وألف وشرقت البلاد وكان القمح بستين نصفاً فضة الاردب فزاد سعره وبيع باثنتين وسبعين فضة، نزل كجك محمد إلى بولاق وجلس بالتكية وأحضر الأمناء ومنعهم من الزيادة عن الستين وخوفهم وحذرهم وأجلس بالحملة اثنين من القابجية ويرسل حماره كل يومين أو ثلاثة مع الحمار يمشي به جهة الساحل ويرجع فيظنون أن كجك محمد ببولاق فلا يمكنهم زيادة في ثمن الغلة. فلما قتل كما ذكر بيع القمح في ذلك اليوم بمائة نصف فضة، ولم يزل يزيد حتى بلغ ستمائة نصف فضة. ومما اتفق له أن بعض التجار بسوق الصاغة أراد الحج فجمع ما عنده من الذهبيات والفضيات واللؤلؤ والجواهر ومصاغ حريمه ووضعه في صندوق وأودعه عند صاحب له بسوق مرجوس، يسمى الخواجا علي الفيومي بموجب قائمة أخذها معه مع مفتاح الصندوق، وسافر إلى الحجاز، وجاور هناك سنة ورجع مع الحجاج وحضر إليه أحبابه وأصحابه للسلام عليه. وانتظر صاحبه الحاج علي الفيومي فلم يأته فسأل عنه فقيل له أنه طيب بخير فأخذ شيئاً من التمر واللبان والليف ووضعه في منديل وذهب إليه ودخل عليه ووضع بين يديه ذلك المنديل، فقال له: من أنت فإني لا أعرفك قبل اليوم حتى تهاديني. فقال له: أنا فلان صاحب الصندوق الأمانة، فجحد معرفته وأنكر ذلك بالكلية ولم يكن بينه وبينه بينة تشهد بذلك، فطار عقل الجوهري وتحير في أمره وضاق صدره، فأخبر بعض أصحابه، فقال له: اذهب إلى كجك محمد أوده باشه. فذهب إليه وأخبره بالفضة فأمره أن يدخل إلى المكان الداخل ولا يأتي إليه حتى يطلبه وأرسل إلى علي الفيومي. فلما حضر إليه بش في وجهه ورحب به وآنسه بالكلام الحلو ورأى في يده سبحة مرجان، فأخذها من يده يقلبها ويلعب بها ثم قام كأنه يزيل ضرورة وأعطاها لخادمه وقال له: خذ خادم الخواجا صحبتك واترك دابته هنا عند بعض الخدم واذهب صحبة الخادم إلى بيته وقف عند باب الحريم وأعطهم السبحة إمارة وقل لهم أنه اعترف بالصندوق والأمانة. كلما رأوا الإمارة والخادم لم يشكوا في صحة ذلك وعندما رجع كجك محمد إلى مجلسه قال للخواجا: بلغني أن رجلاً جواهرجي أودع عندك صندوقاً أمانة ثم طلبه فأنكرته. فقال: لا وحياة رأسك ليس له أصل وكأني اشتبهت عليه أو أنه خرفان وذهلان ولا أعرفه قبل ذلك ولا يعرفني. ثم سكتوا وإذا بتابع الأوده والخادم داخلين بالصندوق على حمار فوضعوه بين أيديهما فامتقع وجه الفيومي وأسفر لونه فطلب الأوده باشه صاحب الصندوق، فحضر فقال له: هذا صندوقك؟ قال له: نعم. قال له: عندك قائمة بما فيه؟ قال: معي. وأخرجها من جيبه مع المفتاح، فتناولها الكاتب وفتحوا الصندوق وقابلوا ما فيه على موجب القائمة فوجده بالتمام. فقال به: خذ متاعك واذهب. فأخذه وذهب إلى داره وهو يدعو له، ثم التفت إلى الخواجا علي الفيومي وهو ميت في جلده ينتظر ما يفعل به، فقال له صاحبالأمانة: أخذها وأيش جلوسك فقام وهو ينفض غبار الموت وذهب. واتفق أن أحمد البغدادي أقام مدة يرصد المترجم يمر من عطفة النقيب ليضربه ويقتله إلى أن صادفه فضربه بالبندقية من الشباك فلم تصبه، وكسرت زاوية حجر وأخبروه أنها من يد البغدادلي فأعرض عن ذلك وقال: الرصاص مرصود والحي ماله قاتل. وتقلد باش أوده باشه سنة خمس وثمانين وألف فتحركت عليه طائفته وأرادوا قتله، فخرج من وجاقه إلى وجاق آخر وعمل شغله في قتل كبار المتعصبين عليه وهم ذو الفقار كتخدا وشريف أحمد باشجاويش باتفاق مع عابدي باشا المتولي إذ ذاك خفية فقتل الباشا الشريف أحمد جاويش في يوم الخميس خامس الحجة سنة تسع وثمانين وألف، وهرب ذو الفقار إلى طندتا فأرسلوا خلفه فرماناً خطاباً لإسمعيل كاشف الغربية بقتله، فركب إلى طندتا وقتله وأرسل دماغه وذلك بعد موت أحمد جاويش بعشرة أيام، ورجع كجك محمد إلى مكانه كما كان واستمر مسموع الكلمة ببابه إلى أن ملك الباب جربجي سليمان كتخدا مستحفظان، في سنة أربع وتسعين وألف. ونفى كجك محمد إلى بلاد الروم ثم رجع في سنة خمس وتسعين وألف بسعاية بعض أكابر البلكات بشرط أن يرجع إلى لبس الضلمة ولا يقارش في شيء، فاستمر خامل الذكر إلى أن مات جربجي سليمان على فراشه، فعند ذلك ظهر أمر المترجم وعمل باش أوده باشا كما كان ولم يزل إلى سنة سبع وتسعين وألف، فاستوحش من سليم أفندي كاتب كبير مستحفظان ورجب كتخدا فانتقل إلى وجاق جمليان وعمل جربجي وسافر هجان باشا ثم رجع إلى بابه سنة تسع وتسعين وألف كما كان بمعاضدة إبراهيم بك الفقاري، واتفق معه على هلاك سليم أفندي ورجب كتخدا فولوهما الصنجقية وقتلوهما كما ذكر. وكان سليم أفندي المذكور قاسمي النسبة واستمر كجك محمد مسموع الكلمة نافذ الحرمة إلى أن قتل غيلة، كما ذكر، في طريق المحجر في يوم الخميس سابع المحرم سنة ست ومائة وألف. ومات الأمير عبد الله بك بشناق الدفتردار، تولى الدفتردارية سنة ثلاث ومائة وألف ثم عزل عنها بعد خمسة أشهر وعشرين يوماً، وسافر أميراً على العسكر إلى الروم ورجع إلى مصر وتولى قائمقام عندما عزل حسن باشا السلحدار في سنة اثنتين وذلك قبل سفره، وحضر أحمد باشا ثم عزل بعد ذلك المترجم من الدفتردارية، واستمر أميراً إلى أن مات سنة خمس عشرة ومائة وألف على فراشه. وألف، فاستوحش من سليم أفندي كاتب كبير مستحفظان ورجب كتخدا فانتقل إلى وجاق جمليان وعمل جربجي وسافر هجان باشا ثم رجع إلى بابه سنة تسع وتسعين وألف كما كان بمعاضدة إبراهيم بك الفقاري، واتفق معه على هلاك سليم أفندي ورجب كتخدا فولوهما الصنجقية وقتلوهما كما ذكر. وكان سليم أفندي المذكور قاسمي النسبة واستمر كجك محمد مسموع الكلمة نافذ الحرمة إلى أن قتل غيلة، كما ذكر، في طريق المحجر في يوم الخميس سابع المحرم سنة ست ومائة وألف. ومات الأمير عبد الله بك بشناق الدفتردار، تولى الدفتردارية سنة ثلاث ومائة وألف ثم عزل عنها بعد خمسة أشهر وعشرين يوماً، وسافر أميراً على العسكر إلى الروم ورجع إلى مصر وتولى قائمقام عندما عزل حسن باشا السلحدار في سنة اثنتين وذلك قبل سفره، وحضر أحمد باشا ثم عزل بعد ذلك المترجم من الدفتردارية، واستمر أميراً إلى أن مات سنة خمس عشرة ومائة وألف على فراشه.
ومات الأمير سليمان بك الأرمني المعروف ببارم ذيله تولى الصنجقية سنة اثنتين ومائة وألف وكان وجيهاً ذا مال وخدم ومماليك، وتولى كشوفيات المنوفية والغربية مراراً عديدة، ولم يزل في إمارته إلى أن توفي على فراشه سنة إحدى وعشرين ومائة وألف، وخلف ولداً يسمى عثمان جلبي تقلد إمارة والده بعده وكان جميلاً وجيهاً حاذقاً يحب مطالعة الكتب ونشد الأشعار وتقلد كشوفية المنوفية والغربية والبحيرة، وكان فارساً شجاعاً ولم يزل حتى هرب مع من هرب في واقعة محمد بك قطامش سنة ستع وعشرين ومائة وألف، فاختفى بمصر ونهب بيته واستمر مخفياً إلى أن مات بالطاعون سنة ثلاثين ومائة وألف، وخرجوا بمشهده جهاراً ومات وعمره سبع وثلاثون سنة.
ومات الأمير حمزة بك تابع يوسف بك جلب القرد تأمر بعد سيده سنة عشرة ومائة وألف، فمكث خمس سنوات أميراً ثم سافر بالخزينة ومات بالطريق سنة ست عشرة ومائة وألف.
ومات قبله سيده الأمير يوسف بك القرد تولى الصنجقية سنة ثلاث وسبعين وألف وتولى إمارة الحج ولم يزل حتى توفي سنة عشر وألف.
ومات الأمير رمضان بك تولى الإمارة سنة سبع وسبعين وألف، وعمل قائمقام عندما عزل أحمد باشا الدفتردار، وسبب ذلك أنه لما ورد أحمد باشا المذكور والياً على مصر في سنة ست وثمانين وألف، وأشيع عنه بأن قصده إحداث مظالم على البيوت والدكاكين والطواحين مثل الشام ويفتش على الجوامك وغيرها، فاجتمع العسكر في خامس الحجة بالرميلة وقاموا قومة واحدة وقطعوا عبد الفتاح أفندي الشعراوي كاتب مقاطعة الغلال وهو نازل من الديوان. وكان قبل تاريخه ذهب إلى الديار الرومية وحضر صحبته أحمد باشا فاتهموه بأنه هو الذي أغرى الباشا على ذلك. ولما نزل الأمراء وأرباب الديوان قام عليهم العسكر والعامة، وقالوا لهم: لابد من نزول الباشا وإلا طلعنا إليه وقطعناه قطعاً قطعاً. فطلعوا إلى الباشا فعرضوا عليه ذلك فامتنع وتكرر مراجعته والعسكر والناس يزيد اجتماعهم إلى قريب العصر، فلم يسعه إلا النزول بالقهر عنه إلى بيت حاجي باشا بالصليبية، وولوا رمضان بك هذا قائمقام. فلم يزل حتى ورد عبد الرحمن باشا سادس جمادى الآخرة من سنة سبع وثلاثين وألف، ولم يزل المترجم أميراً حتى مرض ومات سنة ثلاث عشرة ومائة وألف.
ومات الأمير درويش بك الفلاح، تولى الإمارة سنة خمس وتسعين وألف ومات سنة ثمان ومائة وألف.
ومات الأمير درويش بك جركس الفقاري وهو سيد أيوب بك، تولى الإمارة سنة ثمان وتسعين وألف ومات سنة خمس ومائة وألف.
ومات الأمير محمد كتخدا عزبان البيرقداري وكان صاحب صولة وعز في بابه وكلمة وشهرة مع مشاركة محمد كتخدا البيقلي، وكان المترجم شهير الذكر وبيته مفتوح وتسعى إليه الأمراء والأعيان، ويقضي حوائج الناس ويسعى في أشغالهم. وظهر في أيامه أحمد أوده باشه القيومجي وظالم علي جاويش عزبان. مات المترجم ثالث عشري رمضان سنة سبع ومائة وألف على فراشه بمنزله ناحية المظفر.
ومات أيضاً محمد كتخدا البيقلي في ثالث عشري رمضان سنة خمس ومائة وألف بمنزله بسوق السلاح، وعمره ولده بعد موته وهو يوسف كتخدا عزبان وكالة سنة ست عشرة ومائة وألف.
ومات الأمير أحمد جربجي عزبان المعروف بالقيومجي وسبب تسميته بالقيومجي أن سيده حسن جربجي كان أصله صائغاً، ويقال له باللغة التركية قيومجي، فاشتهر بذلك، وكان سيده في باب مستحفظان وأحمد هذا عزبان، وكان المشارك لأحمد جربجي في الكلمة علي جاويش المعروف بظالم علي إلى أن لبس ظالم علي كتخدا الباب سنة ثمان ومائة وألف، ومضى عليه نحو سبعة أشهر فانتبذ أحمد جربجي وملك الباب على حين غفلة، وأنزل علي كتخدا إلى الكشيدة، فخاف على نفسه ظالم علي فالتجأ إلى وجاق تفكجيان، فسعى إليه جماعة منهم ومن أعيان مستحفظان وردوه إلى بابه بأن يكون اختيارياً وضمنوه فيما يحدث منه، فاستمر مع أحمد كتخدا معززاً إلى أن مات ظالم علي على فراشه بمنزله بالجبانية الملاصق للحمام سنة خمس عشرة ومائة وألف، وانفرد بالكلمة أحمد كتخدا ولم يزل إلى أن مات على فراشه بمنزله ببولاق سنة عشرين ومائة وألف، وكان سخياً يضرب بكرمه المثل، وكان به بعض عرج بفخذه الأيسر بسبب سقطة سقطها من على الحمار وهو أوده باشه.
ومات الأمير الكبير المقدام أيواظ بك والد الأمير إسمعيل بك، وأصل اسمه عوض فحرفت باعوجاج التركية إلى إيواظ، فإن اللغة التركية ليس فيها الضاد فأبدلت وحرفت بما سهل على لسانهم حتى صارت إيواظ، وهو جركس الجنس قاسمي تابع مراد بك الدفتردار القاسمي الشهيد بالغزاة ومراد بك تابع أزبك بك أمير الحاج سابقاً ابن رضوان بك أبي الشوارب المشهور المتقدم ذكره، تولى الإمارة عوضاً عن سيده مراد بك الشهيد بالغزاة في سنة سبع ومائة وألف وفي سنة عشر ومائة وألف. ورد مرسوم من الدولة خطاباً لحسين باشا والي مصر إذ ذاك بالأمر بالركوب على المتغلب عبد الله وافي المغربي بجهة قبلي ومن معه من العربان وإجلائهم عن البلاد، وحضرت جماعة من الملتزمين والفلاحين يشكون ويتظلمون من المذكورين، فجمع حسين باشا الأمراء والأغوات وأمرهم بالتهيؤ للسفر صحبته فقالوا نحن نتوجه جميعاً وأما أنت فتقيم بالقلعة لأجل تحصيل الأموال السلطانية. ثم وقع الاتفاق على إخراج تجريدة وأميرها إيواظ بك وصحبته ألف نفر من الوجاقات، ويقرروا له على كل بلد كبيرة ثلاثة آلاف نصف فضة والصغيرة ألف وخمسمائة، فأجابهم إلى ذلك، وجعلوا لكل نفر ثلاثة آلاف فضة وللأمير عشرة أكياس، وخلع عليه الباشا قفطاناً وخرج في يوم السبت سابع عشر جمادى الآخرة بموكب عظيم، ونزل بدير الطين. فبات به وأصبح متوجهاً إلى قبلي ثم ورد منه في حادي عشر رجب يذكر كثرة الجموع ويطلب الإمداد فعمل الباشا ديواناً وجمع الأمراء واتفقوا على إرسال خمسة من الأمراء الصناجق وهم أيوب بك أمير الحاج حالاً وإسمعيل بك الدفتردار وإبراهيم بك أبو شنب وسليمان بك قيطاس وأحمد بك ياقوت زاده وآغوات الاسباهية الثلاثة وأتباعهم وأنفارهم. فتهيئوا وسافروا ونزلوا بالجيزة وأقاموا بها أياماً فورد الخبر أن إيواظ بك تحارب مع العربان وهزمهم وقروا إلى الوجه البحري من طريق الجبل، ورجع الأمراء إلىمصر. وفي شوال نزلت جماعة من العربان بكرداسة فكبسهم ذو الفقار كاشف الجيزة وقتل منهم أربعة وسبعين رجلاً وطلع برؤوسهم إلى الديوان، ثم ورد الخبر بأن جمع أبي زيد بن وافي نزل بوادي الطرانة فاحتاط به قائمقام البحيرة وقتل من معه من الرجال واحتاط بالأموال والمواشي، ولما بلغ بقية العربان ما حصل لأبي زيد ضاقت بهم الأرض ففروا إلى الواحات وأقاموا بها مدة حتى أخربوها وأغلوها وانقطعت السيارة فألجأتهم الضرورة إلى أن هبطوا في صعيد مصر بمحاجر الجعافرة بالقرب من أسنا، وصحبتهم علي أبو شاهين شيخ النجمة. وحصل منهم الضرر فلما بلغ ذلك عبد الرحمن بك أغرى بهم عربان هوارة فاحتاطوا بهم ونهبوهم وأخذوا منهم جملة كبيرة من الجمال وغيرها، ففروا فتبعهم خيل هوارة إلى حاجر منفلوط، فتبعهم عبد الرحمن بك ومن معه من الكشاف، فأثخنوهم قتلاً ونهباً وأخذوا منهم ألفا وسبعمائة جمل بأحمالها. وهرب من بقي. وما زالوا كلما هبطوا أرضاً قاتلهم أهلها إلى أن نزلوا الفيوم بالغرق وأفترق منهم أبو شاهين بطائفة إلى ولاية الجيزة، فعين لهم الباشا تجريدة ذهبوا خلفهم إلى الجسر الأسود فوجدوهم عدوا إلى المنوفية، وأما إيواظ بك فإنه منحين نزوله إلى الصعيد وهو يجاهد ويحارب في العربان حتى شتت شملهم وفرق جمعهم، فتلقاهم عبد الرحمن بك فأذاقهم أضعاف ذلك، وحضر إيواظ بك إلى مصر ودخل في موكب عظيم والرؤوس محمولة معه وطلعوا إلى القلعة، وخلع عليه الباشا وعلى السدادرة الخلع السنية، ونزلوا إلى منازلهم في أبهة عظيمة وتولى كشوفية الأقاليم الثلاثة على ثلاث سنوات، ورجع إلى مصر. وحضر مرسوم بسفر عسكر إلى البلادالحجازية وعزل الشريف سعد وتولية الشريف عبد الله وأميرها إيواظ بك فخلع عليه الباشا وشهل له جميع احتياجاته وبرز إلى العادلية وصحبته السدادرة وسار براً في غير أوان الحج، ولما وصل إلى مكة جمع السدادرة القدم والجد وحاربوا الشريف سعدا هزموه، وملك دار السعادة وأجلس الشريف عبد الله عوضه، وقتل في الحرابة رضوان آغا ولده وكان خازنداره، وأقام بمكة إلى أيام الحج أتى إليه مرسوم بأنه يكون حاكم جدة، وكانت إمارة جدة لأمراء مصر أقام بجدة وحاز منها شيئاً كثيراً. وكان الوكيل عنه بمصر يوسف جربجي الجزار عزبان ويرسل له الذخيرة وما يحتاجه من مصر. وتولى المترجم إمارة الحج سنة اثنتين وعشرين وقتل في تلك السنة، وذلك أنه اشتدت الفتنية بين العرب والينكجرية وحضر محمد بك حاكم الصعيد معينا للينكجرية وصحبته السواد الأعظم من العسكر والعرب والمغاربة والهوارة فنزل بالبساتين ثم دخل إلى مصر بجموعه، نزل ببيت آقباي وحار المتترسين بجامع السلطان حسن وكان به محمد بك الصغير وهو تابع قيطاس بك مع من أنضم إليه من أتباع إبراهيم بك وإيواظ بك ومماليكه، فكانت النصرة لمحمد بك الصغير بعد أمور وحروب. وأنتقل محمد بك جرجا إلى جهة الصليبة ووقعت أمور يطول شرحها مشهورة من قتل ونهب وخراب أماكن. وطال الأمر ثم أن الأمراء اجتمعوا بجامع بشتاك وحضر معهم طائفة من العلماء والأشراف واتفقوا على عزل خليل باشا وإقامة قانصوه بك قائمقام وولوا مناصب وآغوت ووالي. ووصل الخبر إلى الباشا ومن معه فحرض الينكجرية وفيهم إفرنج أحمد ومحمد بك جرجا ومن معه على الحرب. ووقعت حروب عظيمة بين الفريقين عدة أيام، وصار قانصوه بك يرسل بيورلديات وتنابيه، وأرسل إلى محمد بك جرجا يأمره بالتوجه إلى ولايته ويجتهد في تحصيل المال والغلال السلطانية، فعندما وصل إليه البيورلدي قام وقعد واحتد وأشتد بينهم الجلاد والقتال. واجتمع الأمراء الصناجق والآغوات عند قائمقام ورتبوا أمورهم وذهبت طائفة لمحاربة منزل أيوب بك إلى أن ملكوه بعد وقائع ونهبوه، وخرج أيوب بك هارباً، وكذلك منزل أحمد آغا التفكجية بعد قتله. وخرج أيضاً محمد آغا الشاطر وعلي جلبي الترجمان وعبد الله الوالي ولحقوا بأيوب بك وفروا إلى جهة الشام، وخرج محمد بك الكبير إلى جهة قبلي وانتهبت جميع بيوت الخارجين، وبيت محمد بك الكبير وأحمد جرجي القنيلي وأحرقوا بيت أيوب بك وما لاصقه من البيوت والحوانيت والرباع. وفي أثناء ذلك قبل خروج من ذكر أيام اشتداد الحرب خرج محمد بك بمن معه إلى جهة قصر العيني فوصل الخبر إلى إيواظ بك فركب مع من معه ورفع القوس المزراق إمام الصنجق فانشبك في سكفة الباب وانكسر، فقالوا للصنجق: كسر المزراق. قال: وتطيروا من ذلك. فقال: لعل بموتي ينصلح الحال. وطلب مزراقاً آخر وسار إلى جهة القبر الطويل، فظهر محمد بك والهوارة فتحاربوا معهم، فانهزم رجال محمد بك وفر هو ومن معه إلى السواق، فطمع فيهم إيواظ بك ورمح خلفهم وكان محمد بك أجلس جماعة سجمانية على السواقي لمنع من يطرد خلفهم عند الانهزام، فرموا عليهم رصاصا فأصيب إيواظ بك وسقط من على جواده. وحصل بعد ذلك ما حصل من الحروب ونصرة القاسمية والعزب وهروب المذكورين وعزل الباشا ودفن إيواظ بك بتربة أبي الشوارب، وكان أميراً خيراً شهماً حزن عليه كثير من الناس. وخلف ولده السعيد الشهيد إسمعيل بك الشهير السابق ذكره والآتي ترجمته، وما وقع له ولأخيه محمد بك المعروف بالمجنون ومصطفى بك، وخلف عدة من المماليك والأمراء ومنهم يوسف بك الجزار غيره. ة، وذلك أنه اشتدت الفتنية بين العرب والينكجرية وحضر محمد بك حاكم الصعيد معينا للينكجرية وصحبته السواد الأعظم من العسكر والعرب والمغاربة والهوارة فنزل بالبساتين ثم دخل إلى مصر بجموعه، نزل ببيت آقباي وحار المتترسين بجامع السلطان حسن وكان به محمد بك الصغير وهو تابع قيطاس بك مع من أنضم إليه من أتباع إبراهيم بك وإيواظ بك ومماليكه، فكانت النصرة لمحمد بك الصغير بعد أمور وحروب. وأنتقل محمد بك جرجا إلى جهة الصليبة ووقعت أمور يطول شرحها مشهورة من قتل ونهب وخراب أماكن. وطال الأمر ثم أن الأمراء اجتمعوا بجامع بشتاك وحضر معهم طائفة من العلماء والأشراف واتفقوا على عزل خليل باشا وإقامة قانصوه بك قائمقام وولوا مناصب وآغوت ووالي. ووصل الخبر إلى الباشا ومن معه فحرض الينكجرية وفيهم إفرنج أحمد ومحمد بك جرجا ومن معه على الحرب. ووقعت حروب عظيمة بين الفريقين عدة أيام، وصار قانصوه بك يرسل بيورلديات وتنابيه، وأرسل إلى محمد بك جرجا يأمره بالتوجه إلى ولايته ويجتهد في تحصيل المال والغلال السلطانية، فعندما وصل إليه البيورلدي قام وقعد واحتد وأشتد بينهم الجلاد والقتال. واجتمع الأمراء الصناجق والآغوات عند قائمقام ورتبوا أمورهم وذهبت طائفة لمحاربة منزل أيوب بك إلى أن ملكوه بعد وقائع ونهبوه، وخرج أيوب بك هارباً، وكذلك منزل أحمد آغا التفكجية بعد قتله. وخرج أيضاً محمد آغا الشاطر وعلي جلبي الترجمان وعبد الله الوالي ولحقوا بأيوب بك وفروا إلى جهة الشام، وخرج محمد بك الكبير إلى جهة قبلي وانتهبت جميع بيوت الخارجين، وبيت محمد بك الكبير وأحمد جرجي القنيلي وأحرقوا بيت أيوب بك وما لاصقه من البيوت والحوانيت والرباع. وفي أثناء ذلك قبل خروج من ذكر أيام اشتداد الحرب خرج محمد بك بمن معه إلى جهة قصر العيني فوصل الخبر إلى إيواظ بك فركب مع من معه ورفع القوس المزراق إمام الصنجق فانشبك في سكفة الباب وانكسر، فقالوا للصنجق: كسر المزراق. قال: وتطيروا من ذلك. فقال: لعل بموتي ينصلح الحال. وطلب مزراقاً آخر وسار إلى جهة القبر الطويل، فظهر محمد بك والهوارة فتحاربوا معهم، فانهزم رجال محمد بك وفر هو ومن معه إلى السواق، فطمع فيهم إيواظ بك ورمح خلفهم وكان محمد بك أجلس جماعة سجمانية على السواقي لمنع من يطرد خلفهم عند الانهزام، فرموا عليهم رصاصا فأصيب إيواظ بك وسقط من على جواده. وحصل بعد ذلك ما حصل من الحروب ونصرة القاسمية والعزب وهروب المذكورين وعزل الباشا ودفن إيواظ بك بتربة أبي الشوارب، وكان أميراً خيراً شهماً حزن عليه كثير من الناس. وخلف ولده السعيد الشهيد إسمعيل بك الشهير السابق ذكره والآتي ترجمته، وما وقع له ولأخيه محمد بك المعروف بالمجنون ومصطفى بك، وخلف عدة من المماليك والأمراء ومنهم يوسف بك الجزار غيره.
ومات الأمير أيوب بك تابع درويش بك وهو كان ممن تسبب في إثارة الفتنة المذكورة وتولى كبرها مع إفرنج أحمد، وأرسل إلى محمد بك جرجا فحضر إليه معيناً ومعه من ذكر من أخلاط العالم وحصل ما حصل، وأصله جركس الجنس ومن الفقارية تولى إمارة الحج بعد موت إبراهيم بك ذك الفقار سنة سبع ومائة وألف، وطلع بالحج عشر مرات، وعزل سنة سبع عشرة ومائة وألف وتولى الدفتردارية ثم عزل عنها ثم وقعت الفتنة وقهر فيها وخرج من مصر هارباً مع من هرب إلى جهة الشام، وذهب إلى اسلامبول ولم يزل بها حتى مات سنة أربع وعشرين ومائة وألف طريداً غريباً وحيداً بعد الذي رآه من العز والجاه بمصر، وخلف من الأولاد الذكور والإناث اثني عشر لم ينتج منهم أحد عاشوا وماتوا فقراء، لأن ماله انتهب في الفتنة.
ومات الأمير قيطاس بك وهو مملوك إبراهيم بك ذي الفقار كردلي الجنس، تولى إمارة الحج سنة عشرة ومائة وألف واستمر فيها إلى سنة إحدى وعشرين ومائة وألف، طلع بالحج خمس مرات ثم عزل وتولى الدفتردارية وأستمر فيها إلى سنة أربع وعشرين ومائة وألف، ثم عزل عنها وتولى إمارة الحج سنة تاريخه، ثم عزل وتلبس بالدفتردارية واستمر فيها إلى أن قتل في سنة ست وعشرين ومائة وألف، قتله عابدي باشا، وذلك أنه لم حضر عابدي باشا إلى مصر وقدم له الأمراء التقادم وقدم له إسمعيل بك ابن إيواظ تقدمة عظيمة، وكان إذ ذاك أمين السماط، فأحبه الباشا وسأل عمن تسبب في قتل أبيه، فقالوا هذه قضية ليس لأحد فيها جنية وأنما قيطاس بك وايوب بك من بيت واحد، وكان أيوب بك أعظم، فالتجأ قيطاس بك إلى المرحوم إيواظ بك إلى أن قتل بسببه وقتل أيضاً كثير من رجاله. وبعدما بلغ مراده سعى في هلاكنا وأراد قتلنا عند أم أخنان، وسلط ابن حبيب على خيولنا في المربع وجم أذنابها. فقال الباشا: يكون خيراً. ولما استقر الباشا وتقلد إسمعيل بك إمارة الحج وقلدوا مناصب الأقاليم للقاسمية وتقلد عبد الله بك خازندار إيواظ بك الصنجقية وأرسلوا بقتل الأمير حسن كاشف اخميم. ثم أن قيطاس بك أرسل كور عبد الله سراً إلى الباشا وكلمه في إدارة الكشوفيات على الفقارية وعمل رشوة، فقال له: هذه السنة مضت وفي العام القابل نعطيكم جميع الكشوفيات، فاطمأن بذلك وشرع في عمل عزومة للباشا بقصر العيني،فأجاب لذلك وذهب مع القاضي وإبراهيم بك الدفتردار وأرباب الخدم وقدم لهم تقادم، وخلع عليه الباشا فروة سمور، وركبوا أواخر النهار وذهبوا إلى منازلهم. ومضى على ذلك أيام وكان محمد بك قطامش تابع قيطاس بك في الخفر بسبيل علام، فخضر في بعض الأيام إلى الديوان لحاجة ودخل عند الباشا فقال له: أين كنت ولم تحضر معنا عزومة سيدك. فقال: إنا في خفر بسبيل علام. فقال الباشا: وسبيل علام هذا بلد والقلعة، فعرفه أنه مثل القلعة وحوله قصور لنزول الأمراء. فقال الباشا: أحب أن أرى ذلك. فقال: حباً وكرامة تشرفونا يوم السبت. فقال: كذلك شهل روحك ونأتي صحبة سيدك والقاضي من غير زيادة وأدع أنت من شئت. وقال الباشا لقيطاس بك: تنزل في صبح يوم السبت إلى قراميدان فتأتيني هناك ونركب صحبة. فقال: كذلك. فأرسل إبراهيم أبو شنب تلك الليلة تذكرة لقيطاس بك: اقبل النصيحة ولا تذهب إلى قراميدان. فلما قرأ التذكرة وأعرضها على كتخدا محمد آغا الكور فقال هذا: عدو فلا تأخذ منه نصيحة، فإنه لا يحب قربك من الباشا. وفي الصباح ركب في قلة وذهب إلى قراميدان فوجد الباشا نزل وجلس بالكشك وأوقف أتباعه وعسكره. فلما حضر قيطاس بك قال له الباشا من الشباك: أطلع حتى يأتي القاضي ونركب سوية وخل الطوائف راكبين. فنزل وطلع وجلس، فهجم عليه أتباع الباشا وقتلوه بالخناجر وقطعوا رأسه ورموه لطائفته من الشباك. وركب الباشا في الحال وطلع إلى القلعة. فشاله أتباعه وذهبوا إلى بيته وذهبت طائفة إلى سبيل علام أخبروا محمد بك بقتل سيده، فركب من ساعته وصحبته عثمان بك فأتوا صيوان قيطاس بك الأعور وكان طالعاً بالخزينة فعرفوه أن سيده قتله القاسمية بيد الباشا وطلبوه يركب معهم يأخذون بثأره، فأتى وقال أنه قتل بأمر سلطاني والخزنة في تسليمي وأنتم فيكم البركة، فساروا إلى بيت أستاذهم فوجدوا هناك حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا القازدغلي وكور عبد الله جاويش، وأخضروا رأس الصنجق مسلوخة وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه بسبيل المؤمن ودفنوه بالقرافة وكرنك محمد بك قطامش تابعه هو وو عثمان بك بن سليمان بك بارم ذيله ولم يتم له أمر، وهرب محمد بك إلى بلاد الروم، وسيأتي خبره في ترجمته، واختفى عثمان بك في بيت رجل مغربي حتى مات وكان إبراهيم بك أبو شنب يعرف مكانه ويرسل له مصروفاً وثارت فتنة عظيمة بعد قيطاس بك بين الينكجرية والعزب، وهو أن حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وكور عبد الله جاويش أغراض قيطاس بك ملكوا باب مستحفظان في ذلك اليوم في شهر رجب وقتلوا كتخدا الوقت شريف حسين إبراهيم باش أوده باشه المعروف بكدك وكانوا يتهمونه في قتل قيطاس بك. ثم في أواخر رمضان ملك باب مستحفظان محمد كتخدا كدك على حين غفلة ليأخذ ثار أخيه حسين، وقتل حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا القازدغلي وأنزلوا رممهما في صبحها إلى بيوتهم، وهرب كور عبد الله ثم قبضوا عليه بعد ستة أيام وأحضروه وهو راكب على حصان وفي عنقه جنزير وعلى رأسه ملاءة فطلع به محمد بك جركس إلى الباشا فأمر به إلى محمد كدك بالباب فقتله وأرسل رمته إلى بيته بسوق السلاح، وذلك في غاية رمضان سنة سبع وعشرين ومائة وألف. بيوتهم، وهرب كور عبد الله ثم قبضوا عليه بعد ستة أيام وأحضروه وهو راكب على حصان وفي عنقه جنزير وعلى رأسه ملاءة فطلع به محمد بك جركس إلى الباشا فأمر به إلى محمد كدك بالباب فقتله وأرسل رمته إلى بيته بسوق السلاح، وذلك في غاية رمضان سنة سبع وعشرين ومائة وألف.
ومات الأمير عبد الرحمن بك وكان أصله كاشف الشرقية وكان مشهوراً بالفروسية والشجاعة قلده الإمارة إسمعيل باشا والي مصر سنة سبع ومائة وألف هو ويوسف بك المسلماني. فإنه لما وقع الفصل في تلك السنة وغنم الباشا أموالاً عظيمة من حلوان المحاليل والمصالحات، فلما انقضى الفصل عمل عرساً عظيماً لختان أولاده في سنة ثمان ومائة وألف، وهادنه الأعيان والأمراء والتجار بالهدايا والتقادم وكان مهماً عظيماً أستمر عدة أيام لم يتفق نظيره لأحد من ولاة مصر، نصبوا في ديوان الغوري وقاتباي الأحمال والقناديل وفرشوهما بالفرش الفاخرة والوسائد والطنافس وأنواع الزينة، ونصبوا الخيام على حوش الديوان وحوش السراية، وعلقوا التعاليق بها وخيام تركية وأتصل ذلك بأبواب القلعة التحتانية إلى الرميلة والمحجر، ووقف أرباب العكاكيز وكتخدا الجاوشية وآغات المتفرقة والأمراء وباشجاويش الينكجرية والعزب والآغا الوالي والمحتسب الجميع ملازمون للخدمة وملاقاة المدعوين، وفي أوسلعهم الحازم الزردخان وأبو اليسر الجنكي ملازم بديوان الغوري ليلاً ونهاراً، وجنك اليهود بديوتن قايتباي وأرباب الملاعيب والبهلوانيين والخيالة بالحيشان، وأبواب القلعة مفتوحة ليلاً ونهاراً، وأصناف الناس على اختلاف طبقاتهم وأجناسهم أمراء وأعيان وتجار وأولاد بلد طالعين نازلين للفرجة ليلاً ونهاراً. وختن مع أولاده عند انقضاء المهم مائتي غلام من وأولاد الفقراء، ورسم لكل غلام بكسوة ودراهم، ودعوا في أول يوم المشايخ والعلماء، وثاني يوم أرباب السجاجيد والرق، وثالث يوم الأمراء والصناجق ثم الآغوات والوجاقلية والاختيارية والجربجية وواجب رعايات الأبواب كل طائفة يوم مخصوص بهم ثم التجار وخواجات الشرب والغورية ثم القاقجية والعقادين والقوافين ومغاربة طيلون وأرباب الحرف ومجاوري الأزهر والعميان بوسط حوش الديوان غدوا وعشياً. ثم خلع الخلع والفراوي وأنعم بحصص وعتامنة على أرباب الديوان والخدم وكذلك كساوي للجنك وأرباب الملاهي والبهلوانيين والطباخين والمزينين وإنعامات وبقاشيش. ولما تم وانقضى المهم قال الباشا لإبراهيم بك وحسن أفندي، وكانا خصيصين به: أريد أقلد إمارة صنجقين لشخصين يكونان إشراقين ويكونان شجاعين قادرين. فوقع الاتفاق على يوسف آغا المسلماني وعبد الرحمن آغا كاشف الشرقية. هذا وكان ضرب هلباسو يد قبل تاريخه وأشتهر بالشجاعة فخلع عليهما في يوم واحد، وعملوا لهما رنك وسعاة، ونزلت لهما الأطواغ والبيارق والتوبة، وحضرت لهما التقادم والهدايا ولبسا الخلع. ثم أن الباشا أنشأ له تكية في قراميدان، ووقف سبع بلاد من التي أخذها من المحاليل في إقليم البحيرة، وهي أمانة البدرشين وناحية الشنباب وناحية سقارة وناحية مائة رهينة أبي صبر الصدر وناحية شبرامنت بالجيزة وناحية ترسا وجعلها للتكية وسحابة بطريق الحجاز، وجعل الناظر على ذلك خازنداره وأرخى لحيته وأعطاه قائظ وعتامنة في دفتر العزب، وقلده جربجي تحت نظر أحمد كتخدا القيومجي وأرسل كتخداه قرا محمد آغا إلى اسلامبول لتنفيذ ذلك، وسافر على الفور. وعندما وصل إلى اسلامبول أرسل مقرراً لمخدومه على سنة تسع ومائة وألف صحبة أمير أخور فوصل إلى بولاق ونزلت له الملاقية وحضر إلى الديوان. وبعد انفضاض الديوان دخل الأمراء الكبار وهم إبراهيم بك أبو شنب وإيواظ بك وقانصوه بك وإسمعيل بك الدفتردار للتهنئة، ولم يدخل حسن آغا بلغيه والآغوات وعبد الرحمن بك ويوسف بك وسليمان بارم ذيله وقيطاس بك وحسين بك أبو يدك وكامل الفقارية، فسأل الباشا عنهم فرآهم نزلوا فانقبض خاطره من الفقارية وقال لإبراهيم بك: أنا أكثر عتابي على إشراقي عبد الرحمن بك ويوسف بك وحيث أنهما فعلا ذلك أنا أطلب منهما حلوان الصنجقية ثمانية وأربعين كيساً. فلاطفه إبراهيم بك وحسن أفندي فلم يرجع وأمر بكتابه فرمانين وأرسلهما إلى الأميرين المذكورين بطلب أربعة وعشرين كيسا من كل أمير. فقال عبد الرحمن بك: أنا لم أطلب هذه البلية حتى يأخذ مني عليها هذا القدر. ولما حضر الآغا المعين ليوسف بك تركه في منزله وركب إلى عبد الرحمن بك معاً إلى حسن آغا بلغيه وعملوا شغلهم وعزلوا الباشا. وكانوا تخيلوا منه الغدر بهم ونزل إلى بيت كان أشراه من عتقي عثمان جربجي مطل على بركة الفيل بحدرة طولون بجوار حمام السكران ثم باع المنزل والبلاد التي وقفها على التكية والسحابة وغلق الذي تأخر في طرفه من المال والغلال لحسين باشا المتولي بعده. وخرج إلى العادلية وسافر إلى بغداد. وتولى عبد الرحمن بك على ولاية جرجا وحصل له أمور مع عربان هوارة ذكر بعضه في ترجمة إيواظ بك. وانفصل عبد الرحمن بك من ولاية الصعيد وحضر إلى مصر ونزل عند الآثار وأرسل إلى الباشا المتولي تقادم وعبيدا وآغوات ونزل الباشا في ثاني يوم إلى قراميدان وحضر عبد الرحمن بك بأتباعه ومماليكه وخلفه النوبة التركي فسلم على الباشا وخلع عليه فروة سمور وركب إلى البيت الذي نزل فيه وهو بيت رضوان بك بالقصبة المعروفة بالقوافين. وكان ذلك الباشا هو قرا محمد كتخدا إسمعيل باشا المنفصل المتقدم ذكره، وفي نفسه من المترجم ما فيها بسبب مخدومه، فإنه هو الذي سعى في عزله وأبطال وقفه وأنسلخ من القارية وتنافس معهم وصار يقول: أنا قاسمي. فحقدوا عليه وذلك وسعوا في عزله من جرجا، ولما حضر إلى مصر تعصبوا عليه ووافق ذلك غرض الباشا لكراهته له بسبب أستاذه. ولما استقر عبد الرحمن بك بمنزله حضرت إليه الأمراء للسلام عليه ما عدا حسن آغا بلغيه ومصطفى كتخدا القازدغلي. ثم بعد انقضاء ذلك ورجوع الهوارة إلى بلادهم وعمارهم كتبوا قوائم بما ذهب لهم من غلال ونحاس وثمنوها بثلثمائة كيس، وجعلوا الآخذ لذلك جميعه عبد الرحمن بك وأرسلوا القوائم إلى ابن الحصري، ووكلوا وجاق الينكجرية في خلاص ذلك من عبد الرحمن بك فعرض ذلك ابن الحصري على أستاذه الغازدغلي وحسن آغا بلغيه وكتبوا بذلك عرضحال وقدموه للباشا بعدما وضبوا ما أرادوا من الرابطة والتعصيب، فأرسل إليه الباشا يطلبه فامتنع من الطلوع وقال للآغا المعين: سلم على حضرة الباشا وسوف أطلع بعد الديوان أقابله. فنزل إليه كتخدا الجاويشية وآغات المتفرقة وتكلموا معه بسبب ما تقدم فقال: إنا لم أكن وحدي كان معي غزسيمانية وعرب هوارة بحري وكشاف الأمير حسن الاخميمي لموم كثيرة وكل من طال شيئاً أخذه، وسوف أتوجه للدولة بالخزينة وأعرفهم بفعل أيوب بك وحسن أغا بلغية والقازدغلي وأضمن لهم فتوح مصر وقطع الجبابرة، فلا عفوه وعالجوه على الطلوع فامتنع من الطلوع مع الجمهور وقال: أروح معهم إلى بيت القاضي ويقيموا بينتهم وإثباتهم وأنا قادر ومليء وما أنا محتاج ولا مفلس. فرجعوا وعرفوا الجمع بما قاله بالحرف الواحد. فقال الباشا للقاضي: أكتب له مراسلة بالحضور والمرافعة. فكتب له وأرسلها القاضي صحبة جوخدار من طرفه. فلما وصل إليه قال: إنا لست بعاصي الشرع ولا أترافع معهم إلا في بيت القاضي ولا أطلع في الجمهور فرجع الجوخدار بالجواب وكان فرغ النهار، فعند ذلك بيتوا أمرهم واتفقوا على محاربته. وأجتمع عند عبد الرحمن بك أغراضه وأحمد أوده باشا البغدادلي ووصله الخبر بركوبهم عليه، فضاق صدره وخرج من منزله ماشياً وأراد أن يذهب إلى الجامع الأزهر يقع على العلماء، فلما وصل إلى باب زويلة لحقه أحمد البغدادلي وحسن الخازندار فرداه وقالا: له اجلس في بيتك ونحاربهم وعندنا العدة والعدد. وعند الصباح احتاطوا بداره ونزلت البيارق والمدافع والعسكر من كل جانب ورموا عليه من جميع الجهات ودخلت طائفة من العسكر إلى الجامع المواجه للبيت وصعدوا إلى المنارة ورموا بالرصاص فأصيب أحمد البغدادلي وحسن الخازندار وماتا وكان الصنجق والطائفة عند النقيب بالإسطبل فأخبروه بموت حسن الخازندار، وكان يحبه فطلع إلى المقعد فأصيب أيضاً ومات. فعند ذلك انحلت عزائم الطائفة وأولاد الخزنة فخرجوا من البيت مشاة بما عليهم من الثياب، ظنوهم من طوائف الصناجق. ولما رأى الذين في النقب بطلان الرمي جخلوا وطلعوا إلى المقعد فوجدوا الصنجق ميتاً فأخذوا رأسه ورأس البغدادلي وطلعوا بهم للباشا وعبرت العساكر إلى البيت نهبوه وأخذوا منه أموالا وذخائر عظيمة وسبوا الحريم وأخذوا كامل ما في الحريم من الجواري البيض والسود ومن جملتهم بنت الصنجق يظنوها جارية، فخرجت أمها تصرخ من خلفها، فخلصها مصطفى جاويش القيصرلي وطلع بها إلى الباشا فأنعم عليه بخمسة وثلاثين عثماني ومائتين ذهب أخذها وأمها مصطفى جاويش وزوجها لبعض مماليك أبيها، وكان قتل عبد الرحمن بك في ثاني عشر ربينع الأول سنة ثلاث عشرة ومائة وألف وأما يوسف بك فإنه توفي بالسفر ببلاد الروم. المنزل والبلاد التي وقفها على التكية والسحابة وغلق الذي تأخر في طرفه من المال والغلال لحسين باشا المتولي بعده. وخرج إلى العادلية وسافر إلى بغداد. وتولى عبد الرحمن بك على ولاية جرجا وحصل له أمور مع عربان هوارة ذكر بعضه في ترجمة إيواظ بك. وانفصل عبد الرحمن بك من ولاية الصعيد وحضر إلى مصر ونزل عند الآثار وأرسل إلى الباشا المتولي تقادم وعبيدا وآغوات ونزل الباشا في ثاني يوم إلى قراميدان وحضر عبد الرحمن بك بأتباعه ومماليكه وخلفه النوبة التركي فسلم على الباشا وخلع عليه فروة سمور وركب إلى البيت الذي نزل فيه وهو بيت رضوان بك بالقصبة المعروفة بالقوافين. وكان ذلك الباشا هو قرا محمد كتخدا إسمعيل باشا المنفصل المتقدم ذكره، وفي نفسه من المترجم ما فيها بسبب مخدومه، فإنه هو الذي سعى في عزله وأبطال وقفه وأنسلخ من القارية وتنافس معهم وصار يقول: أنا قاسمي. فحقدوا عليه وذلك وسعوا في عزله من جرجا، ولما حضر إلى مصر تعصبوا عليه ووافق ذلك غرض الباشا لكراهته له بسبب أستاذه. ولما استقر عبد الرحمن بك بمنزله حضرت إليه الأمراء للسلام عليه ما عدا حسن آغا بلغيه ومصطفى كتخدا القازدغلي. ثم بعد انقضاء ذلك ورجوع الهوارة إلى بلادهم وعمارهم كتبوا قوائم بما ذهب لهم من غلال ونحاس وثمنوها بثلثمائة كيس، وجعلوا الآخذ لذلك جميعه عبد الرحمن بك وأرسلوا القوائم إلى ابن الحصري، ووكلوا وجاق الينكجرية في خلاص ذلك من عبد الرحمن بك فعرض ذلك ابن الحصري على أستاذه الغازدغلي وحسن آغا بلغيه وكتبوا بذلك عرضحال وقدموه للباشا بعدما وضبوا ما أرادوا من الرابطة والتعصيب، فأرسل إليه الباشا يطلبه فامتنع من الطلوع وقال للآغا المعين: سلم على حضرة الباشا وسوف أطلع بعد الديوان أقابله. فنزل إليه كتخدا الجاويشية وآغات المتفرقة وتكلموا معه بسبب ما تقدم فقال: إنا لم أكن وحدي كان معي غزسيمانية وعرب هوارة بحري وكشاف الأمير حسن الاخميمي لموم كثيرة وكل من طال شيئاً أخذه، وسوف أتوجه للدولة بالخزينة وأعرفهم بفعل أيوب بك وحسن أغا بلغية والقازدغلي وأضمن لهم فتوح مصر وقطع الجبابرة، فلا عفوه وعالجوه على الطلوع فامتنع من الطلوع مع الجمهور وقال: أروح معهم إلى بيت القاضي ويقيموا بينتهم وإثباتهم وأنا قادر ومليء وما أنا محتاج ولا مفلس. فرجعوا وعرفوا الجمع بما قاله بالحرف الواحد. فقال الباشا للقاضي: أكتب له مراسلة بالحضور والمرافعة. فكتب له وأرسلها القاضي صحبة جوخدار من طرفه. فلما وصل إليه قال: إنا لست بعاصي الشرع ولا أترافع معهم إلا في بيت القاضي ولا أطلع في الجمهور فرجع الجوخدار بالجواب وكان فرغ النهار، فعند ذلك بيتوا أمرهم واتفقوا على محاربته. وأجتمع عند عبد الرحمن بك أغراضه وأحمد أوده باشا البغدادلي ووصله الخبر بركوبهم عليه، فضاق صدره وخرج من منزله ماشياً وأراد أن يذهب إلى الجامع الأزهر يقع على العلماء، فلما وصل إلى باب زويلة لحقه أحمد البغدادلي وحسن الخازندار فرداه وقالا: له اجلس في بيتك ونحاربهم وعندنا العدة والعدد. وعند الصباح احتاطوا بداره ونزلت البيارق والمدافع والعسكر من كل جانب ورموا عليه من جميع الجهات ودخلت طائفة من العسكر إلى الجامع المواجه للبيت وصعدوا إلى المنارة ورموا بالرصاص فأصيب أحمد البغدادلي وحسن الخازندار وماتا وكان الصنجق والطائفة عند النقيب بالإسطبل فأخبروه بموت حسن الخازندار، وكان يحبه فطلع إلى المقعد فأصيب أيضاً ومات. فعند ذلك انحلت عزائم الطائفة وأولاد الخزنة فخرجوا من البيت مشاة بما عليهم من الثياب، ظنوهم من طوائف الصناجق. ولما رأى الذين في النقب بطلان الرمي جخلوا وطلعوا إلى المقعد فوجدوا الصنجق ميتاً فأخذوا رأسه ورأس البغدادلي وطلعوا بهم للباشا وعبرت العساكر إلى البيت نهبوه وأخذوا منه أموالا وذخائر عظيمة وسبوا الحريم وأخذوا كامل ما في الحريم من الجواري البيض والسود ومن جملتهم بنت الصنجق يظنوها جارية، فخرجت أمها تصرخ من خلفها، فخلصها مصطفى جاويش القيصرلي وطلع بها إلى الباشا فأنعم عليه بخمسة وثلاثين عثماني ومائتين ذهب أخذها وأمها مصطفى جاويش وزوجها لبعض مماليك أبيها، وكان قتل عبد الرحمن بك في ثاني عشر ربينع الأول سنة ثلاث عشرة ومائة وألف وأما يوسف بك فإنه توفي بالسفر ببلاد الروم.
ومات الأمير علي آغا مستحفظان المشهور تولى آغاوية مستحفظان في سنة ثمان ومائة وألف، وفي سنة اثنتي عشرة وثلاث عشرة وأربع عشرة فشا أمر الفضة المقاصيص والزيوف وقل وجود الديواني وإن وجد اشتراه اليهود بسعر زائد وقصوه فتلف بسبب ذلك أموال النسا. فأجتمع أهل الأسواق ودخلوا الجامع الأزهر وشكوا أمره للعلماء وألزموهم بالركوب إلى الديوان في شأن ذلك، فكتبوا عرضحال وقدموه إلى محمد باشا فقرأه كاتب الديوان على رؤوس الأشهاد، فأمر الباشا بعمل جمعية في بيت حسن آغا بأبطال الفضة المقصوصة وظهور الجدد وأدارة دار الضرب وعمل تسعيرة وضرب فضة وجدد نحاس، ويكون ذلك بحضور كتخدائه وكامل الأمراء الصناجق والقاضي والآغواب ونقيب الأشراف وكبار العلماء. وطلب جواباً كافياً وأعطاه ليد كتخد الجاويشية فأرسل التنابيه مع الجاويشية بتلك الليلة. واجتمع الجميع في صبحها بمنزل حسن أغا بلغيه واتفقوا على أبطال المقاصيص، وضرب فضة جديدة توزع على الصيارف، ويستبدلون المقاصيص بالوزن من الصيارف، وأن صرف الكلب بثلاثة وأربعين نصفاً والريال بخمسين والأشرفي بتسعين والطرلي بمائة وقيدوا بتنفيذ ذلك علي آغا المذكور، وكذلك الأسعار. وشرط عليهم أبطال الحمايات وعدم معارضته في شيء وكل من مسك ميزاناً فهو تحت حكمي وكذلك الخصاصة وتجار البن والصابون، ويركب بالملازمين ويكون معه من كل وجاق جاويش بسبب أنفار الأبواب. وأخبروا الباشا بما حصل، وكتب القاضي حجة بذلك وكتب المشايخ عليها وكذلك الباشا وأعطوهما لعلي آغا فطلع إلى الباب وأحضر شيخ الخبازين وباقي مشايخ الحرف وأحضر اردب قمح وطحنه وعمل معدله على الفضة الديواني خمسة أوراق بجديدين والبن باثني عشر فضة الرطل والصابون بثلاثة والسكر النبات باثني عشر الرطل والخام بخمسة والمنعاد بستة وأربعة جدد والمكرر الشفاف بثمانية فضة وأربعة جدد والشمع السكندري بأربعة عشر فضة والعسل الشهد بستة أنصاف والسقر بثلاثة وأربعة جد والسائل بنصفين والمرسل الحر بنصف فضة والقطر المنعاد بنصفين والقطر القناني بثلاثة والسمن البقري بثلاثة فضة وأربعة والمزهر بنصفين وستة جدد والجاموسي بنصفين وجديدين والزبد البقري بنصفين وأربعة جدد والزبد الجاموسي بنصفين وجديدين واللحم الضاني بنصفين والماعز بنصف وأربعة جدد والجاموسي بنصف وجديدين والزيت الطيب بنصفين وستة جدد والشيرج بنصفين والزيت الحار بنصف وستة جدد والجبن الكشكبان بثلاثة أنصاف فضة والوادي بنصفين وأربعة جدد والجاموسي الطري بنصف وأربعة جدد والجبن المنصوري المغسول بنصف وستة جدد والحالوم الطري بنصف وجديدين الرطل والجبن المصلوق بنصف وأربعة جدد والشلفوطي والقربش بستة جدد الرطل والعيش العلامة خمسة أواق بجديدين والكشكار ستة أواق بجديدين. وحصل ذلك بخضرة مشايخ الحرف والمغارية، وأرسل الآغا بقفل الصاغة ومسبك النحاس وأمر بإحضار الذهب والفضة المبتاعة والنحاس لدار الضرب، وأحضر شيخ الصيارفة وأمرهم بإحضار الذهب والريالات وبروش الكرب يصرفونها بفضة وجدد نحاس، وأعلمهم أنه يركب ثالث يوم العيد ويشق بالمدينة وكل من وجد حانوته خالياً من الفضة والجدد قتل صاحبه أو سمره. وكتب القائمة بالأسعار وطلع بها للباشا علم عليها. وركب ثالث يوم من شهر شوال سنة أربع عشرة ومائة وألف، وعلى رأسه العمامة الديوانية المعروفة بالبيرشانة وأمامه القابجية والملازمون والوالي وأمين الاحتساب وأوده البوابة بطائفته والسبعة جاويشية خلعه ونائب القاضي في مقدمته وكيس جوخ مملوء عكاكيز شوم على كتف قواس والمشاعلي بيده القائمة وهو ينادي على رأس كل حارة يقف مقدار نصف ساعة. وضرب في اليوم اثنين قبانية وثلاثة زياتين وجزار لحم خشن، ومات الستة من الضرب، ورسم على شيخ القبانية بأن لا أحد يزن في بيت زيات سمناً ولا جبناً وصار يتفقد الدراهم ويحرر الأرطال والصنج ويسأل عن أسعار المبيعات ولا يقبل رشور وكل من وجده على خلاف الشرط سواء كان فلاحاً أو تاجراً أو قبانياً بطحه وضربه بالمساوق الشوم حتى يتلف أو يموت، وغالبهم لم يعش بذلك وصار له هيبة عظيمة ووقار زائد. ولم يقف أحد في طريقه سواء كان خيالاً أو حماراً أو قراباً إلا ويخشاه حتى النساء في البيوت وهو فائت، لم تستطع امرأة أن تطل من طاقة، واتفق أن إسمعيل بك الدفتردار صادفه بالصليبة فلما رأى المقادم دخل درب الميضاة حتى مر الاغا فقيل له أنت صنجق ودفتردار، وكيف أنك تذهب من طريقه فقال كذا كتبنا على أنفسنا حتى يعتبر خلافنا. وأقام في هذه التولية ستة أشهر ثم عزل وولي رضوان أغا كتخدا الجاويشية سابقاً وذلك أواخر سنة ثمان عشرة وعزل رضوان أغا في جمادى الأولي سنة تسع عشرة ومائة وألف، وتولى أحمد أغا ابن باكير أفندي ثم تولى في أيامه الواقعة الكبيرة في أواخر ربيع الثاني سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف، ولم يزل حتى مات في يوم الجمعة ثاني شهر شوال بجامع القلعة، وذلك أنه صلى الجمعة والسنن بعدها وسجد في ثاني ركعة فلم يرفع رأسه من السجود، فلما أبطأ حركوه فإذا هو ميت فغسلوه وكفنوه ودفنوه بتربة باب الوزير، وذلك سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف. وتولى بعده في أغاوية مستحفظان محمد أفندي كاتب جمليان سابقا الشهير بابن طسلق وركب بالبيرشانة والهيئة وذلك عقيب الفتنة الكبيرة بنحو خمسة أشهر. ولما مات علي أغا وتولى هذا الأغا عملوا تسعيرة أيضاً وجعلوا صرف الذهب البندقي بمائة وخمسة عشر نصف فضة والطرلي بمائة والريال بستين والكلب بخمسة وأربعين، ونودي بذلك وبمنع التجار وأولاد البلد من ركوب البغال والأكاديش ومنع من بيع الفضة بسوق الصاغة وأن لا تباع الأبدار الضرب، وقفل دكاكين الصواغين. ة فلما رأى المقادم دخل درب الميضاة حتى مر الاغا فقيل له أنت صنجق ودفتردار، وكيف أنك تذهب من طريقه فقال كذا كتبنا على أنفسنا حتى يعتبر خلافنا. وأقام في هذه التولية ستة أشهر ثم عزل وولي رضوان أغا كتخدا الجاويشية سابقاً وذلك أواخر سنة ثمان عشرة وعزل رضوان أغا في جمادى الأولي سنة تسع عشرة ومائة وألف، وتولى أحمد أغا ابن باكير أفندي ثم تولى في أيامه الواقعة الكبيرة في أواخر ربيع الثاني سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف، ولم يزل حتى مات في يوم الجمعة ثاني شهر شوال بجامع القلعة، وذلك أنه صلى الجمعة والسنن بعدها وسجد في ثاني ركعة فلم يرفع رأسه من السجود، فلما أبطأ حركوه فإذا هو ميت فغسلوه وكفنوه ودفنوه بتربة باب الوزير، وذلك سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف. وتولى بعده في أغاوية مستحفظان محمد أفندي كاتب جمليان سابقا الشهير بابن طسلق وركب بالبيرشانة والهيئة وذلك عقيب الفتنة الكبيرة بنحو خمسة أشهر. ولما مات علي أغا وتولى هذا الأغا عملوا تسعيرة أيضاً وجعلوا صرف الذهب البندقي بمائة وخمسة عشر نصف فضة والطرلي بمائة والريال بستين والكلب بخمسة وأربعين، ونودي بذلك وبمنع التجار وأولاد البلد من ركوب البغال والأكاديش ومنع من بيع الفضة بسوق الصاغة وأن لا تباع الأبدار الضرب، وقفل دكاكين الصواغين.
ومات الأمير الكبير إبراهيم بك المعروف بأبي شنب وأصله مملوك مراط بك القاسمي وخشداش إيواظ بك، تقلد الإمارة والصنجقية مع ابواظ بك وكان من الأمراء الكبار المعدودين، تولى إمارة الحج سنة تسع وتسعين وألف وطلع بالحج مرتين ثم عزل عنها باستعفائه لأمور وقعت له مع العرب بإغراء بعض أمراء مصر. وسافر أميراً على العسكر المعين في فتح كريد في غرة المحرم سنة أربع وألف. ولما ركب بالموكب خرج أمامه شيخ الشحاتين وجملة من طوائفه لأنه كان محسناً لهم ويعرفه بالواحد. وكان إذا أعطى بعضهم نصفاً في جهة ولاقاه في طريقه من جهة أخرى يقول له: أخذت نصيبك في المحل الفلاني. ثم رجع إلى مصر في شهر ذي الحجة وطلع إلى الإسكندرية ووصل خبر قدومه إلى مصر، فجمع الشحاتون من بعضهم دراهم واشتروا حصاناً أزرق عملوا له سرجاً معرقا ورختاً وركاباً مطلياً وعباء زركش ورشمة كلفة ذلك اثنان وعشرون ألف فضة ولما وصل إلى الحلي قدموه له فقبله منهم وركبه إلى داره، وذهبت إليه الأمراء والأعيان وسلموا عليه وهنوه بالسلامة وخلع على شيخ الشحاتين ونقيبهم كل واحد جوخة ولكل فقير جبة وطاقية وشملة ولكل امرأة قميص وملاية فيومي، وأغدق عليهم إغداقاً زائدا وعمل لهم سماطاً وكان المتعين بالرياسة في الوقت إبراهيم بك ذو الفقار، وفي عزمه قطع بيت القاسمية، فأخرج إيواظ بك إلى إقليم البحيرة وقانصوه بك إلى بني سويف وأحمد بك إلى المنوفية. ولما حضر إبراهيم بك أبو شنب وأستقر بمصر فأتفق إبراهيم بك مع ذو الفقار مع علي باشا المتولي إذ ذاك على قتله بحجة المال والغلال المنكسرة عليه في غيبته وقدرها اثنا عشر ألف أردب وأربعون كيساً صيفي وشتوي فأرسل إليه الباشا معين بفرمان يطلبه وكان أتاه شخص من أتباع الباشا أنذره من الطلوع، فقال للمعلمين تسلم على الباشا وبعد الديوان أطلع أقابله. ففات العصر ولم يطلع، فأرسل الباشا إلى درويش بك وكان خفيراً بمصر القديمة وأمره بالجلوس عند باب السر الذي يطلع على زين العابدين وإلى الوالي والعسس، وأوده باشا البوابة يجلس عند بيت إبراهيم أبي شنب. وأشبع ذلك وضاق خناق إبراهيم بك أبي شنب وأغتم جيرانه وأهل حارته لإحسانه في حقهم، وحضر إليه بعض أصحابه يؤانسه مثل إبراهيم جربجي الداودية وشعبان أفندي كاتب مستحفظان سابقاً وأحمد أفندي روزنامجي سابقاً. فهم على ذلك وإذا بسليمان الساعي داخل على الصنجق بعد العشاء فأخبره أن مسلم إسمعيل باشا أمير الحاج الشامي ورد إلى العادلية وأرسل جماعة جوخدارية بقائمقامية إلى إبراهيم بك فأمر بدخولهم عليه، فدخلوا وأعطوه التذكرة، فقرأها وعرف ما فيها فسري عنه الغم. وفي التذكرة أن كان غداً أول توت ندخل وإلا بعد غد، وكانت سنة تداخل سنة ست في سنة سبع، وكان الباشا أتى له مقرر من السلطان أحمد وتوفي وتولى السلطان مصطفى فعزل علي باشا عن مصر وولى إسمعيل باشا حاكم الشام وأرسل مسلمه بقائمقامية إلى إبراهيم بك، فسأل الصنجق أحمد أفندي عن أول توت فأخبره أن غدا أول توت. فقال لأحمد كاشف الأعسر. خذ حصان الفلاني وعشرة طائفة والجوخدارية ومشعلين وأذهبوا إلى العادلية وأحضروا بالأغا قبل الفجر. ففعلوا وحضروا به قبل الفجر بساعتين، فخلع عليه فروة سمور وقال للمهنار دقوا النوبة قاصد مفرح، فلما ضربت النوبة سمعت الجيران قالوا لا حول ولا قوة إلا بالله أن الصنجق أختل عقله عارف أنه ميت ويدق النوبة. ولما طلع النهار وأكلوا الفطور وشربوا القهوة ركب الصنجق بكامل طوائفه وصحبته الأغا وطلع إلى القلعة وجلس معه بديوان الغوري، وحضر إليهم كتخدا الباشا فأطلعوه على المرسوم فدخل الكتخدا فأخبر مخدومه بذلك فقال: لا إله إلا الله. وتعجب في صنع الله ثم قال: هذا الرجل يأكل رؤوس الجميع. دخلوا إليه فخلع عليه وعلى المسلم ونزل إلى داره ووصل الخبر إلى إسمعيل بك الدفتردار فركب إسمعيل بك إلى إبراهيم ذي الفقار أمير الحاج، فركب معه بباقي الأمراء وذهبوا إلى إبراهيم بك يهنوه، وكذلك بقية الأعيان، وخلع على محمد بك أباظة وجعله أمين السماط. وتولى المترجم الدفتردارية سنة 1119 واستمر بها إلى 1121 ثم عزل وتقلد إمارة الحج ثم أعيد إلى الدفتردارية في سنة 1127 ولم يزل إلى أن مات بالطاعون سنة 1130 عمره اثنان وتسعون سنة وخلف ولده محمد بك أميراً يأتي ذكره.
ومات إفرنج أحمد أوده باشا مستحفظان الذي تسببت عنه الفتنة الكبيرة الحروب العظيمة التي استمرت المدة الطويلة والليالي العديدة. وحاصلها على سبيل الاختصار هو أن إفرنج أحمد أوده باشا المذكور لما ظهر أمره بعد موت مصطفى كتخدا القازدغلي مع مشاركة مراد كتخدا وحسن كتخدا، فلما مات مراد كتخدا في سنة 1117 زاد ظهور أمر المترجم، ونفذت كلمته على أقرانه وكان جباراً عنيداً، فتعصب عليه طائفة وقبضوا عليه على حين غفلة وسجنوه بالقلعة، وكان ممن تعصب عليه حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا ابن أخت القازدغلي وكور عبد الله، ثم أخرجوه من مصر منفياً. فغاب أياماً ورجع بنفسه ودخل إلى مصر والتجأ إلى وجاق الجملية وطلب غرضه من باب مستحفظان، فلم يرضوا بذلك وقالوا لابد من خروجه إلى محل ما كان. ووقع بينهم التشاجر واتفقوا بعد جهد على عدم نفيه وأن يجعلوه صنجقاً فقلدوه ذلك على كره منه، وأستمر مدة فلم يهنأ له عيش. وخمل ذكره وأنفق ما جمعه قبل ذلك، فاتفق مع أيوب بك الفقاري وعصب الوجاقات ونفوا حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وكور عبد الله باش أوده باشا وقرأ إسمعيل كتخدا ومصطفى كتخدا الشريف وأحمد جربجي تابع باكير أفندي وإبراهيم أوده باشا الأكنجي وحسني أوده بلضا العنترلي الجميع من باب مستحفظان، فأخرجوهم إلى قرى الأرياف، ورمى المترجم الصنجقية ورجع إلى بابه وركب الحمار ثانيا، وصار أوده باشا كما كان. وهذا لم يتفق نظيره أبداً، وكان يقول عند ما أستقر صنجقاً: الذي جمعه الحمار أكله الحصان. ولما فعل ذلك زادت كلمته وعظمت شوكته ثم أن المنفيين المتقدم ذكرهم حضروا إلى مصر باتفاق الوجاقات الستة ولم يتمكنوا من الرجوع إلى بابهم، وذلك أن الوجاقات الستة وبعض الأمراء الصناجق أرادوا رجوع المذكورين إلى باب مستحفظان، وأن إفرنج أحمد يلبس حكم قانونهم أو يعمل جربجي وأن كور عبد الله أوده باشا يرجع إلى بابه ويلبس باش كما كان، فعاند إفرنج أحمد وعضده أيوب بك وأنضم إليهم من أنضم من الاختيارية والصناجق والأغوات، ووقع التفاقم والعناد وافترقت عساكر مصر وأمراؤها فرقتين، وجرى ما لم يقع مثله في الحروب والكروب وخراب الدور. وطالت مدة ذلك قريباً من ثلاثة أشهر وانجلت عن ظهور العزب على الينكجرية.
وقتل في أثنائها الأمير إيواظ بك ثم كان ما ذكر بعضه آنفاً في ترجمة المرحوم إيواظ بك وغيره، وهرب أيوب بك ومحمد بك الصعيدي ومن تبعهم ونهبت دور الجميع وأحزابهم وانتصر القاسمية، ثم أنزلوا الباشا بأمان وهجمت العساكر على باب مستحفظان وملكوه وقبضوا على المترجم وقطعوا رأسه ورؤوس من معه وفيهم حسن كتخدا وإسمعيل أفندي وعمر أغات الجراكسية، وذهبوا برؤوسهم إلى بيت قانصوه بك قائمقام، ثم طافوا بها على بيوت الأمراء، ثم وضعوها على أجسادهم بالرميلة، ثم أرسلوها عند الغروب إلى منازلهم، وذلك في أوائل جمادى الأولى سنة1123، وهو صاحب القصر والغيط المعروف به الذي كان بطريق بولاق، ونهبه في أيام الفتنة يوسف بك الجزار، وكان به شيء من الغلال والأبقار والأغنام والأرز والخيل والجاموس والدجاج والإوز والحمام، حتى قلع أشجاره وهدم حيطانه، ولما بلغ محمد بك الكبير ما فعله يوسف بك الجزار في غيط إفرنج أحمد عمد هو أيضاً إلى غيط حسن كتخدا النجدلي وفعل به مثل ما فعل يوسف بك بغيط إفرنج أحمد، ووقع غير ذلك أمور يطول شرحها.
ومات محمد بك المعروف بالدالي وقد كان سافر بالخزينة سنة1122، ومات ببلاد الروم ووصل خبر موته إلى مصر، فقلدوا أبنه إسمعيل بك في الإمارة عوضاً عنه بعد انقضاء الفتنة سنة 1124، وكان جركسي الجنس وعمل أغات متفرقة ثم أغات جمليان سنة 1113 ثم تقلد الصنجقية وسافر بالخزينة ومات بالديار الرومية كما ذكر.
ومات الأمير حسن كتخدا عزبان الجلفي وكان أنساناً خيراً له بر ومعروف وصدقات وإحسان للفقراء ومن مآثره أنه وسع المشهد الحسيني وأشترى عدة أماكن بماله وأضافها إليه ووسعه، وصنع له تابوتا من أبنوس مطعماً بالصدف مضبباً بالفضة، وجعل عليه ستراً من الحرير المزركش بالمخيش. ولما تمموا صناعته وضعه على قفص من جريد وحمله أربع رجال وعلى جوانبه أربع عساكر من الفضة مطليات بالذهب ومشت أمامه طائفة الرفاعية بطبولهم وأعلامهم وبين أيديهم المباخر الفضة وبخور العود والعنبر وقماقم ماء الورد يرشون منها على الناس وساروا بهذه الهيئة حتى وصلوا المشهد، ووضعوا ذلك الستر على المقام. توفي يوم الأربعاء تاسع شوال سنة 1124 وخرجوا بجنازته من بيته بمشهد عظيم حافل. وصلى عليه بسبيل المؤمن بالرميلة وأجتمع بمشهده زيادة عن عشرة آلاف إنسان وكان حسن الاعتقاد محسنا للفقراء والمساكين رحمه الله.
ومات الأمير إبراهيم جربجي الصابونجي عزبان وكان أسداً ضرغاماً وبطلاً مقداماً كان ظهوره في سنة اثنتين وعشرين ومائة وألف، وشارك في الكلمة أحمد كتخدا عزبان أمين البحرين وحسن جربجي عزبان الجلفي وعمل أكنجي أوده باشه فلما لبس حسن جربجي الجلفي كتخدائية عزبان لبس المترجم باش أوده باشه، وذلك في 1123 فزادت حرمته ونفذت بمصر كلمته ولما قتل قيطاس بك الفقاري في سنة 1127 خمدت بموته كلمة أحمد كتخدا أمين البحرين، فانفرد بالكلمة في بابه إبراهيم جربجي الصابونجي المذكور، وصار ركناً من أركان مصر العظيمة ومن أرباب الحل والعقد والمشورة وخصوصا في دولة إسمعيل بك ابن إيواظ. وأدرك من العز والجاه ونفاذ الكلمة وبعد الصيت والهيبة عند الأكابر والأصاغر الغاية وكان يخشاه أمراء مصر وصناجقها ووجاقاتها ولم يتقلد الكتخدائية مع جلالة قدره. وسبب تسميته بالصابونجي أنه كان متزوجاً بابنه الحاد عبد الله الشامي الصابونجي لكونه كان ملتزماً بوكالة الصابون وكان له عزوة عظيمة ومماليك وأتباع ومنهم عثمان كتخدا الذي اشتر ذكره بعده، ولم يزل في سيادته إلى أن مات على فراشه خامس شهر شوال سنة 1131 وخلف ولداً يسمى محمدا، قلدوه بعده جربجياً سيأتي ذكره. وسعى له عثمان كاشف مملوك والده وخلص له البلاد من غير حلوان، وكان عثمان إذ ذاك جربجياً بباب عزبان.
ومات الأمير الجليل يوسف بك المعروف بالجزار تابع الأمير الكبير إيواظ بك، تقلد الإمارة والصنجقية في سنة 1123 أيام الواقعة الكبيرة بعد موت أستاذه من قانصوه بك قائمقام إذ ذاك. وكانت له اليد البيضاء في الهمة والاجتهاد والسعي لأخذ ثار سيده والقيام الكلي في خذلان المعاندين. وجمع الناس ورتب الأمور وركب في اليوم الثاني من قتل سيده وصحبته إسمعيل بن أستاذه وأتباعهم، وطلع إلى باب العزب، وفرق فيهم عشرة آلاف دينار، وأرسل إلى البلكات الخمسة مثل ذلك وجر المدافع وخرج بمن أنضم إليه إلى ميدان محمد بك الصعيدي وطائفته ومن بصحبته من الهوارة حتى هزمهم وأجلاهم عن الميدان إلى السواقي. وأستمر يخرج إلى الميدان في كل يوم ويكر ويفر ويدبر الأمور وينفق الأموال وينقب النقوب ويدبر الحروب حتى تم لهم الأمر بعد وقائع وأمور، ذكرنا بعضها في ولاية خليل باشا وفي بعض التراجم. وتقلد المترجم إمارة الحج وطلع به في تلك السنة، وتقلد قائمقامية في 1126 عن عابدي باشا. ولما حقدوا على إسمعيل بك بن سيده ودبروا على أزالته في أيام رجب باشا وظهر جركس من اختفائه بعد أن أخرجوا المترجم ومن معه بحجة وقوف العرب وقتلوا من كان منهم بمصر وأخرجوا لهم تجريدة، قام المترجم في تدبير الأمر، واختفى إسمعيل بك، ودخل منهم من دخل إلى مصر سراً، ووزع المماليك والأمتعة على أرباب المناصب والسدادرة، وأشاع ذهابهم إلى الشام مع الشريف يحيى وتصدر هو للأمر وكتم أموره، ولم يزل يدبر على إظهار ابن سيده، وأستمال أرباب الحل والعقد وأنفق الأموال سراً وضم إليه من الأخصام أعاظمهم وعقلاءهم مثل أحمد بك الأعسر وقاسم بك الكبير، وأتفق معهم على إظهار إسمعيل بك وأخيه إسمعيل بك جرجا، وعمل وليمة في بيته جمع فيها محمد بك جركس وباقي أرباب الحل والعقد وأبرز لهم إسمعيل بك ومن معه بعد المذاكرة والحديث والتوطئة وتمموا أغراضهم وعزلوا الباشا وأنزلوه من القلعة، وتأمر إسمعيل بك وظهر أمره كما كان وتولى الدفتردارية في سنة 1127 بعد انفصاله من إمارة الحج، ثم عزل عنها واستمر أمير مسموع الكلمة وأفر الحرمة إلى أن مات في سنة 1134 ووقع له مع العرب عدة وقائع وقتل منهم ألوفاً فلذلك يسمى بالجزار. ولما مات قلدوا مملوكه إبراهيم أغا الصنجقية عوضاً عنه.
ومات الأمير الجليل قانصوه بك القاسمي تابع قيطاس بك الكبير الدفتردار الذي كان بقناطر السباع، رباه سيده وأرخى لحيته وجعله كتخداه، وسافر معه إلى سفر الجهاد في سنة 1126 فمات سيده بالسفر فقلدوا الإمارة والصنجقية بالديار الرومية عوضاً عن سيده، وحضر إلى مصر وتقلد كشوفية بني سويف خمس مرات وكشوفية البحيرة ثلاث مرات. ولما حصلت الفتنة في أيام خليل باشا كعب الشوم الكوسة 1123 كما تقدم غير مرة كان هو أحد الأعيان الرؤساء المشار إليهم من فرقة القاسمية، فاجتمعوا وقلدوا المترجم قائمقام وعملوا ديوانهم وجمعيتم في بيته، حتى انقضت الفتنة ونزل الباشا وأستمر وهو يتعاطى الأحكام أحدا وتسعين يوماً، حتى حضر والي باشا إلى مصر فعزل وكف مصره، ومكث بمنزله حتى توفي على فراشه سنة1127 وقلدوا أمرته وصنجقيته لتابعه الأمير ذي الفقار أغا، وتزوج بابنته وفتح بيت سيده وأحيا مآثره من بعده.
ومات الأمير إسمعيل بك المنفصل من كتخدائية الجاويشية وأصله جلبي بن كتخدا ابري بك، وهو من إشراقات إسمعيل بك بن إيواظ، وقلده الصنجقية سنة 1128، وتولى الدفتردارية سنة 1131 واستمر فيها سنتين وخمسة أشهر، وقتله رجب باشا هو وإسمعيل أغا كتخدا الجاويشية في وقع واحد، عندما دبروا على قتل إسمعيل بك بن إيواظ وهو راجع من الحج، فاحتجوا بالعرب وأرسلوا يوسف بك الجزار ومحمد بك بن إيواظ وإسمعيل بك ولجه لمحاربة العرب، فلما بعدوا عن مصر طلع المترجم وصحبته إسمعيل أغا كتخدا الجاويشية وكان أصله كتخدا إيواظ بك الكبير فقتلوهما في سلالم ديوان الغوري غدراً بإغراء محمد بك جركس. وفي ذلك الوقت ظهر جركس وركب حصان إسمعيل بك المذكور ونزل إلى بيته وكان قتلهما في أوائل سنة 1133 وقتلا ظلماً وعدواناً رحمهما الله.
ومات الأمير حسين بك المعروف بأبي يدك وأصله جرجي الجنس تقلد الإمارة والصنجقية سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف، وكان مصاهراً لسليمان بك بارم ذيله وكان متزوجاً بابنته، وكان معدوداً من الفرسان والشجعان، إلا أنه كان قليل المال، ولما قتل قيطاس بك الفقاري وهرب محمد بك تابعه المعروف بقطامش إلى الديار الرومية اختفى المترجم بمصر، وذلك في سنة 1127 بعد ما أقام في الإمارة أربعا وعشرين سنة. ثم ظهر مع من ظهر في الفتنة التي حصلت بين محمد بك جركس وبين إسمعيل بك بن إيواظ، وكان المترجم من أغراض جركس. فلما هرب جركس هو أيضاً فلحقه عبد الله بك صهر بن إيواظ وقتله بالريف وقطع رأسه فكان ظهوره سبباً لقتله وذلك في سنة 1131.
ومات الأمير حسين بك أرنؤد المعروف بأبي يدك وكان أصله أغات جركسة، ثم تقلد الصنجقية وكشوفيات الأقاليم مراراً عديدة وسافر إلى الروم أميراً على السفر في سنة 1124، فلما رجع في سنة 1129 استعفى من الصنجقية وسافر إلى الحجاز وجاور بالمدينة المنورة. فكانت مدة إمارته ثلاث وعشرين سنة. واستمر مجاوراً بالمدينة أربع سنوات ومات هناك سنة 1134، دفن بالبقيع.
ومات الأمير يوسف بك المسلماني وكان أصله إسرائيلياً وأسلم وحسن إسلامه، ولبس أغات جراكسة، ثم تقلد كتخدا الجاويشية وانفصل عنها وتقلد الصنجقية سنة 1107، وتلبس كشوفية المنوفية ثم إمارة جدة ومشيخة الحرم وجاور بالحجاز عامين، ثم رجع وسافر بالعسكر إلى الروم، ورجع سالماً وأخذ جمرك دمياط وذهب إليها وأقام بها إلى أن مات 1120، وأقام في الصنجقية اثنتي عشرة سنة وتسعة أشهر، وترك ولدا يسمى محمد كتخدا عزبان.
ومات الأمير حمزة بك تابع يوسف بك جلب القرد، تقلد الإمارة عوضا عن سيده سنة 1110 ثم سافر بالخزينة ومات بالطريق سنة 1116ئز ومات الأمير محمد بك الكبير الفقاري تقلد الإمارة بعد سيده سنة 1117، وتولى إمارة جرجا وحكم الصعيد مرتين. وكان من أخصاء أيوب بك المتقدم ذكرهما في الواقعة الكبيرة، وأرسل إليه أيوب بك يستنصر به فأجاب دعوته وحضر إلى مصر ومعه الجم الغفير من العربان والهوارة والمغاربة وأجناس البوادي، وحارب وقاتل داخل المدينة وخارجها، كما تقدم ذكر ذلك غير مرة، وكان بطلا هماماً وأسداً ضرغاماً، ولم يزل حتى هرب مع إيواظ بك إلى بلاد الروم، فقلدوه الباشوية وعين في سفر الجهاد ومات سنة 1133.
ومات الأمير مصطفى بك المعروف بالشريف، وهو بن الأمير إيواظ بك الجرجي مملوك حسين أغا وكان والده إيواظ بك المذكور تولى أغاوية العزب سنة 1070، وتزوج ببنت النقيب برهان الدين أفندي فولد له منها المترجم، فلذلك عرف بالشريف، وتقلد والده كتخدا الجاويشية 1079، وعزل عنها وتقلد الصنجقية سنة 1081، وتولى كشوفية الغربية وتقلد قائمقام مصر وعزل ولم يزل أميراً حتى مات على فراشه، وترك ولده هذا المترجم وكان سنه حين مات والده اثنتي عشرة سنة، فرباه ريحان أغا تابع والده ثم مات ريحان أغا فعند ذلك أسرف مصطفى جلبي وأتلف أموال أبيه وكانت كثيرة جداً، وكان المترجم في وجاق المتفرقة وصار فيهم اختياراً إلى أن لبس سردارية المتفرقة في سفر الخزينة سنة1109، فمات صنجق الخزينة درويش بك الفلاح في السفر بالروم فلبس صنجقية المذكور حكم القانون ورجع إلى مصر أميراً وأستمر في إمارته حتى مات سنة 1133 وكان قليل المال.
ومات الأمير أحمد بك الدالي تابع الأمير إيواظ بك الكبير القاسمي، تقلد الصنجقية يوم الخميس سابع جمادى الأولى سنة 1127ولبس في يومها قفطان الإمارة على العسكر المسافر إلى بلاد مورة بالروم عوضاً عن خشداشة يوسف بك الجزار، وسافر بعد ستين يوماً، ومات هناك وتقلد عوضه مملوكه علي بك، ورجع إلى مصر صنجقاً وهو علي بك المعروف بالهندي.
ومات كل من الأمير حسين كتخدا الينكجرية المعروف بحسين الشريف، وإبراهيم باش أوده باشا المعروف بكدك، وذلك أنه لما قتل قيطاس بك الفقاري بقراميدان على يد عابدي باشا في شهر رجب سنة 1127 وثارت بعد ذلك الفتنة بين باب الينكجرية والعزب، وذلك أن حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وكور عبد الله كانوا من عصبة قيطاس بك، فلما قتل خافوا على أنفسهم فملكوا باب مستحفظان على حين غفلة وقتلوا المذكورين، وكانوا يتهمونهم بأنهما تسببا في قتل قيطاس بك.
ومات أيضاً كل من الأمير حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا الغازدغلي وكور عبد الله، وذلك أنه لما ملك المذكورون الباب وقتلوا حسين كتخدا الشريف وإبراهيم الباش كما تقدم، وذلك في أواخر رجب، وسكن الحال، انتدب محمد كتخدا كدك لأخذ ثار أخيه، وملك الباب على حين غفلة، وذلك ليلة الثلاثاء ثالث عشري رمضان، وتعصب معه طائفة من أهل بابه وطائفة من باب العزب، وقتل في تلك الليلة حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وأنزلوهما إلى بيوتهما في صبح تلك الليلة في توابيت. وهرب كور عبد الله فقبض عليه محمد بك جركس بعد ستة أيام وحضر به وهو راكب على الحصان وفي عنقه الحديد ومغطى الرأس، وطلع به إلى عابدي باشا. فلما مثل بين يديه سبه ووبخه وأمره بأخذه إلى بابه، فأمر محمد كتخدا كدك بحبسه بالقلعة. وقتل في ذلك اليوم وأنزلوه إلى بيته بسوق السلاح.
ومات أيضاً محمد كتخدا كدك المذكور، فإنه أشتهر صيته بعد هذه الحوادث ونفذت كلمته ببابه ولم يزل حتى مات على فراشه في شهر القعدة 1132.
ومات الأمير أحمد بك المسلماني ويعرف أيضاً باسكي نازي وكان أصله كاتب جراكسة وكان يسمى بأحمد أفندي، ثم عمل باش اختيار جراكسة وحصل له عز عظيم وثروة وكثرة مال، وكان أغنى الناس في زمانه، وكان بينه وبين إسمعيل بك بن إيواظ وحشة، وكان بن إيواظ يكرهه ويريد قتله، فالتجأ إلى محمد بك جركس. فلما هرب جركس في المرة الأولى اختفى أحمد أفندي المترجم وبيعت بلاده ومتاعه، فلما ظهر جركس ثانيا ظهر أحمد أفندي وعمل صنجقياً سنة1133 وصار صنجقياً فقيراً، ثم ورد مرسوم بأن يتوجه المترجم إلى مكة لإجراء الصلح بين الأشراف، فتوجه ومكث هناك سنة ثم رجع إلى مصر ومكث بها مدة إلى 1136 فأرسلوه إلى ولاية جرجا ليشهل غلال المبري، وكان ذلك حيلة عليه. فلما توجه إلى جرجا أرسل محمد باشا فرماناً إلى سليمان كاشف خفية بقتله، فذهب سليمان كاشف ليسلم عليه فغمز عليه بعض أتباعه فضربوه وقتلوه عند العرمة وقطعوا رأسه في حادي عشري شهر القعدة سنة 1136.
ومات الأمير علي كتخدا المعروف بالداودية مستحفظان، وكان من أعيان باب الينكجرية وأصحاب الكلمة مع مشاركة مصطفى كتخدا الشريف وكان من الأعيان المعدودين بمصر ولم يزل نافذ الكلمة وافر الحرمة إلى أن مات على فراشه في جمادى الآخرة سنة 1133.
ومات الأمير إبراهيم أفندي كاتب كبير الشهير بشهر أوغلان مستحفظان، وكان أيضاً من الأعيان المشهورين ببابهم مع مشاركة عثمان كتخدا الجرجي تابع شاهين جربجي، وانفرد معه بالكلمة بعد مصطفى كتخدا الشريف ورجب كتخدا بشناق، لما خرجهما إسمعيل بك بن إيواظ إلى الكشيدة كما تقدم الإشارة إلى ذلك. فلما قتل إسمعيل بك رجع مصطفى كتخدا الشريف ورجب كتخدا ثانياً إلى الباب وانحطت كلمة المترجم وعثمان كتخدا، ثم عزل إبراهيم أفندي المذكور إلى دمياط وأهين ومكث هناك أشهراً ثم حضروه وجعلوه سردار جداوي وتوجه مع الحج ومات هناك في سنة 1137.
ومات النبيه الفطن الذكي حسن أفندي الروزنامجي الدمرداشي، وكان باش قلفة الروزنامجه، فلما حضر إسمعيل باشا والياً على مصر في سنة ست ومائة وألف، وكانت سنة تداخل، فتكلم الباشا مع إبراهيم بك أبي شنب في كسر الخزينة وعرض عليه المرسوم السلطاني بتعويض كسر الخزينة من أشغال العشرين ألف عثماني التي كانت عليهم وكان له ميل للعلوم والمعارف وخصوصا الرياضيات والفلكيات، ويوسف الكلارجي الفلكي الماهر هو تابع المذكور ومملوكه. وقرأ على رضوان أفندي صاحب الأزياج والمعارف، وكان كثير العناية برضوان أفندي المذكور ورسم باسمه عدة آلات وكرات من نحاس مطلية بالذهب، وأحضر المتفنين من أرباب الصنائع صنعوا له ما أراد بمباشرة وإرشاد رضوان أفندي، وصرف على ذلك أموالاً عظيمة وباقي أثر ذلك إلى اليوم بمصر وغيرها، ونقش عليها اسمه وأسم رضوان أفندي وذلك سنة 1113، وقبل ذلك وبعدها ولم يزل في سيادته حتى توفي.
ومات الأمير مصطفى بك القزلار المعروف بالخطاط تابع يوسف أغا القزلار دار السعادة، تولى الإمارة والصنجقية في سنة 1094 وتقلد قائمقامية بعد عزل إسمعيل باشا وذلك سنة 1109 قهراً عنه، وتقلد مناصب عديدة مثل كشوفية جرجا وغيرها، ثم تقلد الدفتر دارية سنة ثلاث وثلاثين فكان بين لبسه الدفتر دارية والقائمقامية أربع وعشرون سنة، وبعد عزله من الدفتر دارية مكث في منزله صنجقياً بطالاً إلى أن توفي سنة 1142.
ومات الأمير المعظم والملاذ المفخم الأمير إسمعيل بك بن الأمير الكبير إيواظ بك القاسمي من بيت العز والسيادة والإمارة، نشأ في حجر والده في صيانة ورفاهية وكان جميل الذات والصفات، وتقلد الإمارة والصنجقية بعد موت والده الشهيد في الفتنة الكبيرة كما تقدم، وكان لها أهلاً ومحلاً وكان عمره إذ ذاك ست عشرة سنة، وقد دب عذاره وسمته النساء قشطة بك. فإنه لما أصيب والده في المعركة بالرملة تجاه الروضة وقتل في ذلك اليوم من الغز والأجناد خاصة نحو السبعمائة، ودفن والده، فلما أصبحوا ركب يوسف الجزار تابع إيواظ بك وأحمد كاشف وأخذوا معهم المترجم وذهبوا إلى بيت قانصوه بك قائمقام فوجدوا عنده إبراهيم بك أبا شنب وأحمد بك تابعه وقيطاس بك الفقاري وعثمان بك بارم ذيله ومحمد بك قطامش، وهم جلوس وعليهم الكآبة والحزن، وصاروا مثل الغنم بلا راع متحيرين في أمرهم وما يؤول إليه حالهم، فلما استقر بهم الجلوس نظر يوسف الجزار إلى قيطاس بك فرآه يبكي، فقال له لأي شيء تبكي، هذه القضية ليس لنا فيها ذنب ولا علاقة، وأصل الدعوى فيكم معشر الفقارية والآن انجرحنا وقتل منا واحد وخلف مالاً ورجالاً قلدوني الصنجقية وأمير الحاج وسر عسكر وكذلك قلدوا ابن سيدي هذا صنجقية والده، فيكون عوضاً عنه ويفتح بيته، وأعطونا فرمانا وحجة من الذي جعلتموه نائب شرع بالمعافاة من الحلوان، ونحن نصرف الحلوان على المقاتلين والله يعطي النصر لمن يشاء. ففعلوا ذلك ورجع يوسف بك وصحبته إسمعيل بك ومن معهم إلى بيت المرحوم إيواظ بك، وقضوا أشغالهم ورتبوا أمورهم وركبوا في صبحها إلى باب العزب، وأخذوا معهم الأموال، فأنفقوا في الست بلكات وغيرهم من المقاتلين، ونظموا أحوالهم في الثلاثة أيام الهدنة التي كانوا اتفقوا على رفع الحرب فيها بعد موت إيواظ بك، وكان الفاعل لذلك أيوب بك وقصده حتى يرتب أموره في الثلاثة أيام، ثم يركب على بيت قانصوه بك ويهجم على من فيه، ولو فعل ذلك في اليوم الذي قتل فيه إيواظ بك لتم لهم الأمر، ولكن ليقضي الله أمراً كان مفعولاً. ولم يرد الله لهم بذلك وأخذوا في الجد والاجتهاد وبرزوا للحرب في داخل المدينة وخارجها، وعملوا المكايد ونصبوا شباك المصايد وأنفقوا الأموال ونقبوا النقوب حتى نصرهم الله على الفرقة الآخرة، وهم أيوب بك ومحمد بك الصعيدي وإفرنج أحمد وباب الينكجرية ومن تبعهم، وقتل من قتل وفر من فر ونهبت دورهم وشردوا في البلاد وتشتتوا في البلاد البعيدة كما ذكر غير مرة، وأستقر الحال وسافر أميراً بالحج في تلك السنة يوسف بك الجزار، واستقر المترجم بمصر وافر الحرمة محتشم المكانة مشاركاً لإبراهيم بك أبي شنب وقيطاس بك في الأمر والرأي، وفي نفس قيطاس بك ما فيها من حقد العصبية فصار يناكدهما سراً وسلط حبيب وأبنه سالم على خيول إسمعيل بك فجم أذنابها ومعارفها كما ذكرنا، ثم نصب لهما ولمن والاهما شباكاً ومكايد، ولم يظفره الله بهما ولم يزل على ذلك وهما يتغافلان ويغضيان عن مساويه الخفية، إلى أن حضر عابدي باشا وأرسل قلد يوسف بك الجزار قائمقام وخلع يوسف بك على ابن سيده إسمعيل بك، وجعله أمين السماط. ولما وصل الباشا إلى العادلية وقدمت له الأمراء التقادم وقدم له إسمعيل بك المترجم تقدمة عظيمة وتقيد بخدمة السماط، أحبه عابدي باشا ومال بكليته إليه، ثم أنه اختلى معه ومع يوسف بك وسألهما عن سبب موت والده، فأخبراه أن مصر من قديم الزمان فرقتان وعرفاه الحال، وإن قيطاس بك وأيوب بك بيت واحد ووقعت بينهما خصومة وأيوب بك أكثر عزوة وجنداً، فوقع قيطاس بك على إيواظ بك والتجأ إليه فقام بنصرته وفاداه وأنفق بسببه أموالاً وتجندلت من رجاله أبطال، إلى أن مات وقتل وبلغ قيطاس بك بنا ما بلغ، فلم يراع معنا جميلاً وفي كل وقت ينصب لنا الحبائل ويحفر فينا الغوائل ونحن بالله نستعين فقال الباشا: يكون خيراً. وأضمر لقيطاس بك السوء، ولم يزل حتى قتله كما ذكر بقراميدان، وورد أمر تقليد المترجم على الحج أميراً وتقليد إبراهيم بك الدفتر دارية وألبسهما عابدي باشا الخلع وتسلم أدوات الحج والجمال وأرسل غلال الحرمين وبعث القومانية والغلال إلى البندر، وأرسل أناساً وعينهم لحفر الآبار المردومة وتنقية الأحجار من طريق الحجاج. وضم إليه جماعة من الفقارية مثل حسين بك أبي يدك وذي الفقار معتوق عمر أغا بلغيه وأصلان وقبلان وأمثالهم وأخذوا يحفرون للمترجم وينصبون له الغوائل واتفقوا على غدره وخيانته، ووقف له طائفة منهم بطريق الرميلة وهو طالع إلى الديوان فرموا عليهم الرصاص فلم يصب منهم سوى رجل قواس ورمح إسمعيل بك وأمراؤه إلى باب القلعة ونزل بباب العزب وكتب عرضحال وأرسله إلى علي باشا صحبة يوسف بك الجزار مضمونه الشكوى من محمد بك جركس، وإنه جامع عنده المفاسيد ويريدون إثارة الفتن في البلد. فكتب الباشا فرمانات إلى الوجاقات بإحضار محمد بك جركس وأن أبي فحاربوه وركب جركس بالمنضمين إليه وهم قاسمية وفقارية وذلك بعد إبائه وعصيانه، فصادف المتوجهين إليه فحاربهم بالرميلة وآل الأمر إلى انهزامه وتفرق من حوله ولم يتمكن من الوصول إلى داره، وخرج هارباً من مصر وقبض عليه العربان وأحضروه إلى إسمعيل بك أسيراً عرياناً في أسوأ حال، فكساه وأكرمه ألبسه فروة سمور وأشار عليه أحمد كتخدا أمين البحرين وعلي كتخدا الجلفي بقتله فلم يوافقهما على ذلك. وقال أنه دخل بيتي وحل في ذمامي فلا يصح أن أقتله، ثم نفاه إلى قبرص. ولما سافر محمد بك بن أبي شنب إلى اسلامبول بالخزينة في تلك السنة وصى قاسم بك بالإرسال إلى جركس وإحضاره إلى مصر ففعل، وحضر إلى مصر سراً واختفى عنده ولما وصل محمد بك بالخزينة وأجتمع بالوزير الأعظم دس إليه كلاماً في حق المترجم، وقال له أن أهملتم أمره إستولى على الممالك المصرية وطرد الولاة ومنع الخزينة، فإن الأمراء والدفتر دارية وكبار الأمراء والوجاقات صاروا كلهم أتباعه ومساليكه ومماليك أبيه، والذي ليس كذلك فهم صنائعه، وعلي باشا المتولي لا يخرج عن مراده في كل ما يأمر به. وأخرج من مصر وأقصى كل ناصح في خدمة الدولة مثل محمد بك جركس ومن يلوذ به، وعمل للوزير أربعة آلاف كيس على إزالة إسمعيل بك والباشا وتولية خلافه، ويكون صاحب شهامة وتدبير وكان ذلك في دولة السلطان أحمد فأجابوه إلى ذلك وعينوا رجب باشا أمير الحاج الشامي ورسموا له رسوما بإملاء محمد بك أبي شنب، ملخصها قتل الباشا وإسمعيل بك وعشيرته ما عدا علي بك الهندي. ولما حضر رجب باشا إلى مصر وقد كان قاسم بك أحضر محمد جركس وأخفاه وكان إسمعيل بك بن أيواظ طالعاً بالحج سنة 1131، فاليوم الذي وصل فيه رجب باشا إلى العريش ووصل المسلم إلى مصر كان خروج إسمعيل بك بالحج من مصر، وأرسل رجب باشا مرسوماً إلى أحمد بك الأعسر وجعله قائمقام وأمره بإنزال علي باشا إلى قصر يوسف والاحتفاظ به، ففعلوا ذلك، ووصل رجب باشا فأحضر علي باشا وخازنداره وكاتب خزينته والروزنامجي وأمرهم بعمل حسابه ثم أمر بقتله فقتلوه ظلماً وسلخوا رأسه وأرسلها إلى الروم، وضبط مخلفاته ودبر معه أمر بن إيواظ. مر أغا بلغيه وأصلان وقبلان وأمثالهم وأخذوا يحفرون للمترجم وينصبون له الغوائل واتفقوا على غدره وخيانته، ووقف له طائفة منهم بطريق الرميلة وهو طالع إلى الديوان فرموا عليهم الرصاص فلم يصب منهم سوى رجل قواس ورمح إسمعيل بك وأمراؤه إلى باب القلعة ونزل بباب العزب وكتب عرضحال وأرسله إلى علي باشا صحبة يوسف بك الجزار مضمونه الشكوى من محمد بك جركس، وإنه جامع عنده المفاسيد ويريدون إثارة الفتن في البلد. فكتب الباشا فرمانات إلى الوجاقات بإحضار محمد بك جركس وأن أبي فحاربوه وركب جركس بالمنضمين إليه وهم قاسمية وفقارية وذلك بعد إبائه وعصيانه، فصادف المتوجهين إليه فحاربهم بالرميلة وآل الأمر إلى انهزامه وتفرق من حوله ولم يتمكن من الوصول إلى داره، وخرج هارباً من مصر وقبض عليه العربان وأحضروه إلى إسمعيل بك أسيراً عرياناً في أسوأ حال، فكساه وأكرمه ألبسه فروة سمور وأشار عليه أحمد كتخدا أمين البحرين وعلي كتخدا الجلفي بقتله فلم يوافقهما على ذلك. وقال أنه دخل بيتي وحل في ذمامي فلا يصح أن أقتله، ثم نفاه إلى قبرص. ولما سافر محمد بك بن أبي شنب إلى اسلامبول بالخزينة في تلك السنة وصى قاسم بك بالإرسال إلى جركس وإحضاره إلى مصر ففعل، وحضر إلى مصر سراً واختفى عنده ولما وصل محمد بك بالخزينة وأجتمع بالوزير الأعظم دس إليه كلاماً في حق المترجم، وقال له أن أهملتم أمره إستولى على الممالك المصرية وطرد الولاة ومنع الخزينة، فإن الأمراء والدفتر دارية وكبار الأمراء والوجاقات صاروا كلهم أتباعه ومساليكه ومماليك أبيه، والذي ليس كذلك فهم صنائعه، وعلي باشا المتولي لا يخرج عن مراده في كل ما يأمر به. وأخرج من مصر وأقصى كل ناصح في خدمة الدولة مثل محمد بك جركس ومن يلوذ به، وعمل للوزير أربعة آلاف كيس على إزالة إسمعيل بك والباشا وتولية خلافه، ويكون صاحب شهامة وتدبير وكان ذلك في دولة السلطان أحمد فأجابوه إلى ذلك وعينوا رجب باشا أمير الحاج الشامي ورسموا له رسوما بإملاء محمد بك أبي شنب، ملخصها قتل الباشا وإسمعيل بك وعشيرته ما عدا علي بك الهندي. ولما حضر رجب باشا إلى مصر وقد كان قاسم بك أحضر محمد جركس وأخفاه وكان إسمعيل بك بن أيواظ طالعاً بالحج سنة 1131، فاليوم الذي وصل فيه رجب باشا إلى العريش ووصل المسلم إلى مصر كان خروج إسمعيل بك بالحج من مصر، وأرسل رجب باشا مرسوماً إلى أحمد بك الأعسر وجعله قائمقام وأمره بإنزال علي باشا إلى قصر يوسف والاحتفاظ به، ففعلوا ذلك، ووصل رجب باشا فأحضر علي باشا وخازنداره وكاتب خزينته والروزنامجي وأمرهم بعمل حسابه ثم أمر بقتله فقتلوه ظلماً وسلخوا رأسه وأرسلها إلى الروم، وضبط مخلفاته ودبر معه أمر بن إيواظ.
وما ما كان من أمر الباشا وجركس ومن بمصر فإنه لما سافر يوسف بك الجزار ومن معه على الرسم المتقدم عملوا شغلهم وقتلوا إسمعيل بك الدفتر دار وإسمعيل أغا كتخدا الجاويشية وظهر محمد بك جركس ونزل من القلعة إلى بيته وهو راكب ركوبة الدفتر دار، وأستقر الباشا حمد بك الأعسر دفتر دار. ولما وصل المتوجهون إلى سطح العقبة نزل يوسف بك الجزار وترك محمد بك بن إيواظ وإسمعيل بك جرجا في السطح، فلما دخل على الصنجق وسلم عليه اشتغل خاطره وقال له: لأي شيء جئت؟ فقال: إنا لست وحدي بل صحبتي أخوك محمد بك وإسمعيل بك جرجا وعبد الرحمن أغا ولجه. فقال: لا إله إلا الله كيف أنكم تتركون البلد وتأتون أما تعلموا أن لنا أعداء والعثمانية ليس لهم أمان ولا صاحب ويصيدون الأرنب بالعجلة فأعدوا العدة وسافروا إلى مصر وبعد أيام وصل مرسوم بالأمان والرضا لإسمعيل بك وجماعته وولوا على مصر محمد باشا من حيث أتى بعد ما دفع المائة وعشرين كيساً التي أخذها من دار الضرب، وصرفها على تجريدة أجرود، ولم يزل محمد بك جركس ومحمد بك بن سيده ومن يلوذ بهم مصرين على حقدهم وعداوتهم للمترجم، وهو يتغافل عنهم ويغضي عن مساويهم ويسامح زلاتهم حتى غدروا به وقتلوه بالقلعة على حين غفلة، وذلك أنه لم يزل ذو الفقار تابع عمر أغا يطالب بفائظ حصته في قمن العروس ويكلم جركس يشفع له عند إسمعيل بك، فيقول له: أطرد الصيفي من عندك وأرسل إلي بعد ذلك ذا الفقار ويأخذ الذي يطلع له عندي إلى أن ضاق خناق ذي الفقار من الفشل والإعدام، فطلع إلى كتخدا الباشا وشكا إليه حاله، فقال له: وما الذي تريد نفعله؟ قال: أريد أن أقتل ابن إيواظ عندما يأتي إلى هنا وأعطوني صنجقية وعشرين كيساً فائظ من بلاده وكشوفية المنوفية، فدخل الكتخدا وأخبر مخدومه بذلك فأجابه إلى مطلوبه، على شرط أن لا يدخلنا في دمه. فنزل ذو الفقار وأخبر جركس بما حصل وطلب، أن يكون ذلك بحضوره هو وإبراهيم فارسكور، فأجابه إلى ذلك ولما اجتمعوا في ثاني يوم عند كتخدا الباشا دخل ذو الفقار وقدم له عرضحال إلى إسمعيل بك فأخذه وشرع يقرأ فيه، وإذا بذي الفقار سحب الخنجر وضرب الصنجق به في مدوده، وكان معه قاسم بك الصغير وأصلان وقبلان وخلافهم مستعدين لذلك، فعندما رأوه ضرب إسمعيل بك سحبوا سيوفهم وضربوا أيضاً إسمعيل بك جرجا فقتلوه، فهرب صاري علي وكتخدا الجاويشية مشاة إلى باب الينكجرية وقطعوا رأس الأميرين، وشالوا جثثهما إلى بيوتهما فغسلوهما وكفنوهما ودفنوهما بمدفن أبي الشوارب الذي بطريق الأزبكية عند غيط الطوشي، وذلك في سنة 1136. ثم أرسلوا رأسيهما مسلوخين فدفنوهما أيضاً وانقضت دولة إسمعيل بك ابن إيواظ. وكانت أيامه سعيدة وأفعاله حميدة والإقليم في أمن وأمان من قطاع الطريق وأولاد الحرام، وله وقائع مع حبيب وأولاده يطول شرحها وسيأتي استطراد بعضها في ترجمة سويلم، وكان صاحب عقل وتدبير وسياسة في الأحكام وفطانة ورياسة وفراسة في الأمور وله عدة عمائر ومآثر منها أنه جدد سقف الجامع الأزهر وكان قد آل إلى السقوط، وأنشأ مسجد سيدي إبراهيم الدسوقي بدسوق وكذلك أنشأ مسجد سيدي علي المليجي على الصفة التي هما عليها الآن. ولما تمم بناء المسجد المليجي سافر إليه ليراه وذلك في منتصف شهر شعبان سنة 1135. ومن أفاعيله الجميلة كان يرسل غلال الحرمين في أوانها ويرسل القومانية إلى البنادر ويجعل في بندر السويس والمويلح والينبع غلال سنة قابلة في الشون تشحن السفائن وتسافر في أوانها، ويرسل خلافها على هذا النسق. ولما بلغ خبر موته لأهل الحرمين حزنوا عليه وصلوا عليه صلاة الغيبة عند الكعبة، وكذلك أهل المدينة صلوا عليه بين المنبر والمقام ومات وله من العمر ثمان وعشرون سنة، وطلع أمير بالحج ست مرات آخرها سنة ثلاث وثلاثين. وكان منزله هو بيت يوسف بك بدرب الجماميز المجاور لجامع بشناك المطل على بركة الفيل وقد عمره وزخرفه بأنواع الرخام الملون وصرف عليه أموالاً عظيمة، وقد خرب وصار حيشاناً ومساكن للفقراء وطريقاً يسلك منها المارة إلى البركة، ويسمونها الخرابة ولما مات لم يخلف سوى إبنة صغيرة ماتت بعده بمدة يسيرة وحملين في سريتين ولدت إحداهن ولداً وسموه إيواظ عاش نحو سبعة أشهر ومات وولدت الأخرى بنتاً ماتت في فصل كو دون البلوغ فسبحان الحي الذي لا يموت.
ومات الأمير إسمعيل بك جرجا وكان أصله خازندار إيواظ بك الكبير، وأمره إسمعيل بك وقلده صنجقاً ومنصب جرجا، فلذلك لقب بذلك ولم يزل حتى قتل مع ابن سيده في ساعة واحدة ودفن معه في مدفن رضوان بك أبي الشوارب.
ومات كل من الأمير عبد الله بك والأمير محمد بك بن إيواظ والأمير إبراهيم بك تابع الجزار قتل الثلاثة المذكورون في ليلة واحدة، وذلك أنه لما قتل الأمير إسمعيل بك بن إيواظ بالقلعة بيد ذي الفقار بممالأة محمد بك جركس في الباطن، وعبد الله بك لم يكن حاضراً، انضمت طوائف الأمراء المقتولين ومماليكهم إلى عبد الله بك لكونه زوج أخت المرحوم إسمعيل بك ومن خاصة مماليك إيواظ بك الكبير. وكان كتخداه في حياته وقلده إسمعيل بك الإمارة والصنجقية وطلع أميراً للحج في السنة الماضية التي هي سنة خمس وثلاثين، ورجع سنة ست وثلاثين. فلما وقع ذلك انضموا إليه لكونه أرأس الموجودين وأعقلهم وأقبلت عليه الناس يعزونه في ابن سيده إسمعيل بك وأزدحم بيته بالناس وتحقق المبغضون أنه أن أستمر موجوداً ظهر شأنه وانتقم منهم، فأعملوا الحيلة في قتله وقتل أمرائهم. وطلع في ثاني يوم ذو الفقار قاتل المرحوم إسمعيل بك إلى القلعة فخلع عليه الباشا وقلده الآمرية والصنجقية وكاشف إقليم المنوفية. ونزل إلى بيت جركس ومعه تذكرة من كتخدا الباشا مضمونها أنه يجمع عنده عبد الله بك ومحمد بك ومحمد بك ابن إيواظ وإبراهيم بك الجزار، ويعمل الحيلة في قتلهم. فكتب جركس تذكرة إلى عبد الله بك وأرسلها صحبة كتخداه بطلبه للحضور عنده ليعمل معه تدبيراً في قتل قاتل المرحومين، فلما حضر كتخدا جركس إلى بيت عبد الله بك بالتذكرة وجد البيت مملوءاً بالناس والعساكر والاختيارية والجربجية وواجب رعاياه وعنده علي كتخدا الحلفي عزبان وحسن كتخد حبانية، تابع يوسف كتخدا تابع محمد كتخدا البيوقلي وغيرهم نفر وطوائف كثيرة، فأعطاه التذكرة فقرأها ثم قال لعلي بك الهندي: خذ محمد بك وإبراهيم بك وأذهبوا إلى بيت محمد بك جركس وانظروا كلامه وأرجعوا فأخبروني بما يقول. فركبوا وذهبوا عند جركس فدخلوا عليه فوجدوا عنده ذا الفقار بك وهو يتناجى معه سراً، فأدخلهم إلى تنهة المجلس وأرسل في الحال إلى كتخدا الباشا يخبره بحضور المذكورين عنده، ويقول له: أرسل إلى عبد الله بك وأطلبه فإن طلع إليكم وعوقتموه ملكنا غرضنا في باقي الجماعة. فأرسل الكتخدا يقول لجركس أن لا يتعرض لعلي بك الهندي لأن السلطان أوصى عليه وكذلك صاري علي أوصى عليه الباشا لأنه أمين العنبر وناصح في الخدمة. وأرسل في الحال تذكرة إلى عبد الله بك يأخذ خاطره ويعزيه في العزيز ابن سيده ويطلبه للحضور عنده ليدبر معه أمر هذه القضية، وقتل قاتل المرحوم، فراج عليه ذلك الكلام والتمويه. وركب في الحال لأجل نفاذ المقدور وقال لعلي كتخدا: أجلس هنا ولا تفارق حتى أرجع، وطلع إلى القلعة ومعه عشرة من الطائفة ومملوكان والسعادة فقط، ودخل على كتخدا الباشا فتلقاه بالبشاشة ورحب به وشاغله بالكلامإلى العصر، وعندما بلغ محمد بك جركس ركوب عبد الله بك وطلوعه إلى القلعة صرف علي بك الهندي ووضع القبض على محمد بك ابن إيواظ وإبراهيم بك الجزار وربط خيولهما بالإسطبل وطردوا جماعتهم وطوائفهم وسراجينهم، ولم يزل كتخدا الباشا يشاغل عبد الله بك ويحادثه ويلاهيه إلى قبيل الغروب حتى قلق عبد الله ك وأراد الانصراف، فقال له كتخدا الباشا: لا بد من ملاقاتك الباشا ومحادثتك معه. وقام يستأذن له ودخل ورجع إليه وقال له أن الباشا لا يخرج من الحريم إلا بعد الغروب، وأنت ضيفي في هذه الليلة لأجل ما نتحادث مع الباشا في الليل. وحسن له ذلك وتركه إلى الصباح، فطلع محمد بك جركس وابن سيده محمد بك ابن أبي شنب وذو الفقار بك وقاسم بك وإبراهيم بك فارسكور وأحمد بك الأعسر الدفتر دار، فخلع الباشا على محمد بك إسمعيل وقلده أمير الحاج وقلد عمر أغا كتخدا جاويشية عوضاً عن عبد الله أغا، وقلد محمد أغا لهلوبا والي ونزلوا إلى بيوتهم. وطلعت طوائف عبد الله بك وأتباعه وانتظروه حتى انقضى أمر الديوان ولم ينزل. فاستمروا في انتظاره إلى بعد العصر، ثم سألوا عنه فقالوا لهم أنه جالس مع الباشا في التنهة فنزلوا وأرسل محمد بك جركس لهلوبة الوالي إلى بيت كتخدا الباشا فقعد به إلى بعد العشاء، فدخلت الجو خدارية إلى عبد الله بك فأخذوا ثيابه وما في جيوبه وأنزلوه وسلموه إلى الوالي فأركبه على ظهر كديش ونزل به من باب الميدان، وساروا به إلى بيت جركس فأوقفوه عند الحوض المرصود ونزلوا بمحمد بك ابن أيواظ وإبراهيم بك الجزار فأركبوهما حمارين وسار بهم إبراهيم بك فارسكور والوالي على جزيرة الخيوعية وأنزلوهم في المركب وصحبتهم المشاعل فقتلوهم وسلخوا رؤوسهم ورموهم إلى البحر ورجعوا وانقضى أمرهم وتغيب حالهم وما فعل بهم أياماً. وكانت قتلتهم في شهر ربيع الأول سنة 1136. زار فأركبوهما حمارين وسار بهم إبراهيم بك فارسكور والوالي على جزيرة الخيوعية وأنزلوهم في المركب وصحبتهم المشاعل فقتلوهم وسلخوا رؤوسهم ورموهم إلى البحر ورجعوا وانقضى أمرهم وتغيب حالهم وما فعل بهم أياماً. وكانت قتلتهم في شهر ربيع الأول سنة 1136.
ومات عبد الله بك وهو متقلد إمارة الحج وعمره ست وثلاثون سنة وكان حليماً سموح النفس صافي الباطن.
ومات محمد بك ابن إيواظ بك وسنه ست وعشرون سنة، وكان أصغر من أخيه المرحوم.
ومات الأمير قاسم بك الكبير وهو مملوك إبراهيم بك أبي شنب وخشداش محمد بك جركس، تقلد الإمارة والصنجقية بعد قتل قيطاس بك في سنة 1126 في أيام عابدي باشا، ولما هرب جركس وقبض عليه العربان وأحضروه إلى إسمعيل بك ونفاه إلى قبرص، أتفق محمد بك ابن أبي شنب مع قاسم بك سراً على إحضاره إلى مصر، وسافر محمد بك إلى الروم بالخزينة وأشتغل شغله هناك على قتل إسمعيل بك، وأرسل في الخفية وأحضره إلى مصر وأخفاه حتى حضر رجب باشا وفعلوا ما تقدم ذكره. ولم يزل أميراً ومتكلماً بمصر حتى وقعت حادثة ظهور ذي الفقار بك والمحاربة الكبيرة التي خرج فيها جركس من مصر، فقتل قاسم بك المذكور في بيته أصيب برصاصة من منارة الجامع كما تقدم، وعندما علم جركس بموته حضر إليه والحرب قائم وكشف وجهه فرآه ميتاً، وذلك سنة 1138.
ومات الأمير قاسم بك الصغير وهو أيضاً من أتباع إبراهيم بك أبي شنب، وكان فرعون هذه الطائفة في دولة محمد بك جركس، وهو من جملة المتعصبين مع ذي الفقار على قتل إسمعيل بك ابن إيواظ والضارب فيه أيضاً وفي إسمعيل بك جرجا، ولم يزل حتى مات في رمضان بولاية البهنسا سنة 1137.
ومات محمد أغا متفرقة سنبلاوين وكان أغات وجاق المتفرقة وصاحب وجاهة، ومات مقتولاً بإغراء من محمد بك جركس.
ومات الأمير إبراهيم أفندي كتخدا العزب المذكور قتله سليمان أغا أبو دفية وسليمان كاشف وخازندار ابن إيواظ بالرميلة في حادثة ظهور ذي الفقار كما تقدم ذكر ذلك في أيام علي باشا، وملكوا في ذلك الوقت باب العزب، وحضر محمد باشا وعلي باشا ووقعت الحروب مع محمد بك جركس حتى خرج من مصر، وذلك سنة ثمان وثلاثين، وسيأتي تتمة ذلك في ترجمة جركس.
ومات الأمير عبد الرحمن بك ملتزم الولجة وهو من أتباع إيواظ بك الكبير القاسمي وأمره أبنه إسمعيل بك ابن إيواظ وقلده الصنجقية وسافر بالخزينة 1135 وقتل إسمعيل بك في غيابه فلما حضر إلى مصر خلع عليه محمد بك ابن أبي شنب الدفتر دار قائمقام قفطان ولاية جرجا وأستعجله في الذهاب والسفر إلى قبلي، فقضى أشغاله وبرز خيامه إلى ناحية الآثار وخرجت الأمراء والأغوات والاختيارية والوجاقات ومشوا في موكبه على العادة، ونزلوا بصيوانه وشربوا القهوة والشربات وودعوه ورجعوا إلى منازلهم. ثم أنه قال للطوائف والأتباع: أذهبوا إلى منازلكم وأحضروا بعد غد بمتاعكم وأنزلوا بالمركب ونسير على بركة الله تعالى. ثم أنه تعشى هو ومماليكه وخواصه وعلق على الخيول والجمال وركب وسار راجعاً من خلف القلعة إلى جهة سبيل علام إلى الشرقية ولم يزل سائراً إلى أن وصل إلى بلاد الشام ومنها إلى بلاد الروم هذا ما كان من أمره. وأما جركس فإنه أحضر علي بك وقاسم بك وعمر بك أمير الحاج وأمرهم بالركوب بعد العشاء بالطوائف ويأخذوا لهم راحة عند السواقي، ثم يركبوا بعد نصف الليل ويهاجموا وطاق عبد الرحمن بك ولجة على حين غفلة ويقتلوه ويأخذوا جميع ما معه، ففعلوا ذلك وساروا قرابة فلم يجدوا غير الخيام، فأخذوها ورجعوا ولم يزل المترجم حتى وصل إلى اسلامبول وأجتمع برجال الدولة فاسكنوه في مكان وأخذ مكتوباً من أغات دار السعادة خطاباً إلى وكيله بمصر يتصرف له في حصصه بموجب دفتر المستوفي، ويرسل له الفائظ كل سنة وأستمر هناك إلى أن مات.
ومات الأمير الشهير محمد بك جركس وأصله من مماليك يوسف بك القرد، وكان معروفاً بالفروسية بين مماليك المذكور، فلما مات يوسف بك في سنة 1107 أخذه إبراهيم بك أبو شنب وأرخى لحيته وعمله قائمقام الطرانة، وتولى كشوفية البحيرة عدة مرار ثم إمارة جرجا، وسافر إلى الروم سر عسكر على السفر في سنة 1128 فضم إليه المبغضين له من الفقارية وغيرهم وتوافقوا على اغتياله ورصد له طائفة منهم ووقفوا له بالرميلة، وضربوا عليه بالرصاص فنجاه الله من شرهم وطلع إسمعيل بك وصناجقه إلى باب العزب، وطلب جركس إلى الديوان ليتداعى معه فعصي وأمتنع وتهيأ للحرب والقتال، فقوتل وهزم وخرج هارباً من مصر، فقبض عليه العربان وأحضروه أسيراً إلى إسمعيل بك فأشاروا عليه بقتله فأبى وقال: إنه دخل إلى بيتي فلا سبيل إلى قتله، وأنزله بمكان وأحضر له الطبيب فداوى جراحته وأكرمه وأعطاه ملابس وخلع عليه فروة سمور وألف دينار، ونفاه إلى قبرص حسماً للشر. وأستمر الحقد في قلوب خشداشينه ومحمد بك ابن أبي شنب ابن أستاذهم واتفقوا على إحضار جركس سراً إلى مصر. وسافر ابن أبي شنب بالخزينة إلى دار السلطنة فأغرى رجال الدولة ورشاهم وجعل لهم أربع آلاف كيس على إزالة إسمعيل بك وعشيرته. ووقع ما تقدم ذكره في ولاية رجب باشا. وحضر جركس إلى مصر في صورة درويش عجمي، واختفى عند قاسم بك ودبروا بعد ذلك ما دبروه من قتل الباشا وما تقدم ذكره في ترجمة إسمعيل بك. ونجا إسمعيل بك أيضاً من مكرهم وظهر عليهم وسامحهم في كل ما صدر منهم مع قدرته على إزالتهم. ولم يزالوا مضمرين له السوء حتى توافقوا على قتله غدراً وخانوه، وقتلوه بالديوان وأزالوا دولته. وصفا عند ذلك الوقت لمحمد بك جركس وعشيرته، فلم يحسن السير وطغى وتجبر، وسار في الناس بالعسف والجور وأتخذ له سراجاً من أقبح خلق الله وأظلمهم، وهو الذي يقال له الصيفي ورخص له فيما يفعله ولا يقبل فيه قول أحد، وأتخذ له أعواناً من جنسه وخدماً، وكلهم على طبقته في الظلم والتعدي، فكانوا يأخذون الأشياء من الباعة ولا يدفعون لها ثمناً، ومن أمتنع عليهم ضربوه بل وقتلوه، وصاروا يخطفون النساء والأولاد. وصاروا يدخلون بيوت التجار في رمضان بالليل فلا ينصرفون حتى ضاق صدر الباشا وأبرز مرسوماً من الدولة برفع صنجقية محمد بك جركس، وكتب فرماناً وأرسلها إلى الوجاقات ومشايخ العلم والبكري وشيخ السادات ونقيب الأشراف بالأخبار بذلك، وبالمنع من الاجتماع عليه أو دخول منزله. ووصل الخبر إلى محمد بك جركس فكتب في الحال تذاكر وأرسلها إلى اختيارية الوجاقات والمشايخ بالحضور ساعة تاريخه لسؤال وجواب، فذهب إليه الاختيارية فأكرمهم وأجلهم وأجلسهم ثم حضر المشايخ فلما تكامل المجلس أوقف طوائفه ومماليكه بالأسلحة ثم قال لهم: تكونوا معي أو أقتلكم جميعاً، فلم يسعهم إلا أنهم قالوا له جميعاً نحن معك على ما تريد. فقال أريد عزل الباشا ونزوله فقالوا نحن معك على ما تختار. ثم أنهم كتبوا فتوى مضمونها ما قولكم في نائب السلطان أراد الإفساد في المملكة وتسليط البعض على البعض وتحريك الفتن لأجل قتلهم وأخذ أموالهم فماذا يلزم في ذلك، فكتب المشايخ بوجوب إزالته وعزله قمعاً للفساد وحقناً للدماء. فأخذ الفتوى منهم وقام وأخذ معه رجب كتخدا ومصطفى كتخدا وإبراهيم كتخدا عزبان ودخل إلى داخل وترك الجماعة في المقعد والحوش وعليهم الحرس وباتوا على ذلك من غير عشاء ولا دثار، فلما أصبح صباح يوم الجمعة عاشر القعدة أرسل أحمد بك الأعسر إلى الباشا يقول له: أنت تنزل أو تحارب؟ وكان أرسل قاسم بك الكبير إلى ناحية الجبل بنحو خمسمائة خيال، فقال: بل أنزل وانظروا إلي مكاناً أنزل فيه. ونزل في ذلك اليوم قبل الصلاة إلى بيت محمد أغا الدالي بقوصون، ولم يخرج جركس من بيته ولا أحد من المعوقين سوى قاسم بك وأحمد بك. ثم أنه كتب عرضاً على موجب الفتوى وختم عليه المشايخ والوجاقات وكتبوا فيه أنه باع غلال الحرمين وغلاب الأنبار وباع من غلال الدشائش والخواسك ثمانية وعشرين ألف أردب، وختم عليه القاضي أيضاً وأرسله صحبة ستة أنفار من الوجاقلية في غرة الحجة سنة1137. ولما فعل ذلك أقام محمد بك الدفتر دار ابن أستاذه قائمقام فصار يعمل الدواوين في منزله ولم يطلع إلى القلعة إلا في يوم نزول الجامكية. ولما فعل جركس ذلك صفا له الوقت وعزل مملوكه محمد أغا الوالي وقلده الصنجقية وسماه جركس الصغير، وألبس علي أغا مملوكه ابن أخي قاسم بك الصغير صنجقية عمه، وأعطاه بلاده وماله وجواره، وقلد علي المحرمجي مملوكه الصنجقية أيضاً وكذلك أحمد الخازندار مملوك أحمد بك الأعسر وسليمان أغا جميزة تابع أحمد أغا الوكيل صناجق، ألبسهم الجميع قائمقام في بيته. ولم يتفق نظير ذلك وحضر جن علي باشا وطلع إلى القلعة فلم يقابله جركس إلا في قصر الحلي، وكمل له من الأمراء ثلاثة عشر صنجقاً واستولوا على جميع المناصب والكشوفيات. ولما تأمر ذو الفقار بعد قتل إسمعيل بك، أنضم إليه كثير من الفقارية وسافر إلى المنوفية فأراد أن يجرد عليه، وطلب من الباشا فرماناً بذاك فامتنع فتغير خاطره من الباشا وأستوحش كل من الآخر، وحصل ما تقدم ذكره من عزل الباشا ثم جرد علي ذي الفقار، فاختفى ذو الفقار وتغيب بمصر إلى أن حضر علي باشا والي جريد واستقر بالقلعة، ودبروا في ظهور ذي الفقار كم تقدم في خبر محمد باشا. وخرج محمد بك جركس هارباً من مصر فنهبوا بيته وبيوت أتباعه وعشيرته، فأخرجوا من بيته شيئا لا يحد ولا يوصف، حتى أنه وجد به من صنف الحديد أكثر من ألف قنطار، ومن الغنم أزيد من الألف خروف. وبعدما أحاطوا بما فيه من المواشي والأمتعة ونهبوها، هدموه وأخذوا أخشابه وشبابيكه وأبوابه. ولم يمض ذلك النهار حتى خرب عن آخره. ولم يبق به مكان قائم الأركان وقد أقام يعمر فيه نحو أربع سنوات، فخرب جميعه من الظهر إلى قبيل المغرب، وقتلوا كل من وجدوه من أتباعه واختفى منهم من اختفى ومن ظهر بعد ذلك قتلوه أيضاً ونهبوا دياره. وأخرج خلفه ذو الفقار تجريدة فلم يدركوه، وذهب من خلف الجبل الأخضر إلى درنة، فصادف مركباً من مراكب الإفرنج فنزل فيها مع بعض مماليكه وتفرق من كان معه من الأمراء بالبلاد القبلية، وسافر المترجم إلى بلاد الإفرنج فأكرموه وتشفعوا فيه عند العثماني بواسطة الالجي، فقبلوا شفاعتهم فيه وأخذوا له مرسوماً بالعودة إلى مصر وأخذها أن قدر على ذلك، بعد أن عرضوا عليه الولاية والباشوية ببعض الممالك فلم يقبل. ولم يرض إلا بالعودة إلى مصر، فوصل إلى مالطة وأنشأ له سفينة وشحنها بالجبخانة والآلات والمدافع، ورجع إلى درنة فطلع من هناك وأمر الرؤساء بالذهاب بالسفينة إلى ثغر إسكندرية. وحضر إليه بعض أمرائه وأتباعه المتفرقين فركب معهم وذهب إلى ناحية البحيرة فصادف حسين بك الخشاب، فهرب من وجهه فنهب حملته وخيامه وذهب إلى الإسكندرية وكانت سفينته قد وصلت فأخذ ما فيها من المتاع والجبخانة والآلات ورجع إلى قبلي على حوش ابن عيسى، وأجتمع عليه الكثير من العربان، وسار إلى الفيوم فهجم على دار السعادة وهربت الصيارف، فأخذ ما وجده من المال ونزل على بني سويف وكان هناك علي بك المعروف بالوزير، فنزل إليه وقابله ثم سار إلى القطيعة بالقرب من جرجا ثم عرجا جهة الغرب قبلي جرجا وأرسل إلى سليمان بك وطلبه للحضور إليه بمن عنده من القاسمية فعدى إليه سليمان بك ومن معه وقابله وأطلعه على ما بيده من المرسوم والأمان والعفو. وحضر إليه أحمد بك الأعسر وجركس الصغير فركب بصحبة الجميع وأنحدر إلى جهة بحري فتعرض لهم حسن بك والسدادرة وعسكر جرجا وحاربوهم فقتل حسن بك وطائفته ولم ينج منهم إلا من دخل تحت بيارق العسكر. ونزل جركس بصيوان حسن بك وأنزلوا مطابخهم وعازقهم في المراكب وسار بمن معه طالبين مصر، ووصلت أخبارهم إلى ذي الفقار بك، فعمل جمعية وأخذ فرماناً بسفر تجريدة وميرها عثمان بك تابع ذي الفقار وعلي بك قطامش وعساكر اسباهية وغيرهم، فقضوا أشغالهم وعدوا إلى أم خنان وصحبتهم الخبيري وساروا إلى وادي البهنسا فتلاقوا مع محمد بك جركس فتحاربوا معه يوماً وليلة، وكان مع جركس طائفة من الزيدية والهوارة وعرب نصف حرام فكانت الهزيمة على التجريدة، وأستولى محمد جركس ومن معه على عرضيهم وخيامهم وقتل منهم نحو مائة وسبعين جندياً وحال بينهم الليل، ورجع المهزومون لمصر وقالوا لذي الفقار بك أن لم تتداركوا أمركم وإلا دخلوا عليكم البيوت. فجمع ذو الفقار بك الأمراء واتفقوا على تشهيل تجريدة أخرى واحتاجوا إلى مصروف، فطلبوا من الباشا فرمانا بمبلغ ثلثمائة كيس من الميري أو من مال البهار على السنة القابلة، فامتنع الباشا فركبوا عليه وعزلوه وأنزلوه ولبسوا محمد بك قطامش قائمقام، وأخذوا منه فرماناً وجهزوا أمر التجريدة، فأخرجوا فيها مدافع كبار وأحضروا سالم بن حبيب ومعه نصف سعد ونزل عثمان جاويش القازدغلي بجماعة جهة البدرشين وصحبته علي كتخدا الجلفي بالمراكب، ورتبوا أمورهم وأشغالهم ووصل جركس ومن معه ناحية دهشور، والمنشية، ووقعت بينهم حروب ووقعت الهزيمة على جركس، وقتل سليمان بك ونزلت القرابة المركب وسارت الخيالة صحبة العرب مقبلين. وسار عثمان جاويش القازدغلي خلف قرا مصطفى جاويش ليلاً ونهاراً حتى أدركه عند أبي جرج، فقبض عليه ومعه ثلاثة وأخذ ما وجده معه وأنزلهم في المركب، وأتى بهم إلى مصر، وقطعوا رؤوسهم وأرسلوا فرماناً برجوع التجريدة ولحوق الصنجقيين وأغات البلك والأسباهية وسالم بن حبيب بجركس أينما توجه. فسافروا خلفه أياماً ثم عدى إلى جهة الشرق ومعه عرب خويلد، وأقام هناك ينتظر حركة القاسمية بمصر، وكانوا عدوا معه سراً على قتل ذي الفقار بك فعدى إليه علي بك قطامش والعسكر وسالم بن حبيب فتلاقوا معه ووقع بينهم مقتلة عظيمة انجلت عن انهزام جركس ومن معه حتى ألقوا بأنفسهم في البحر. وأما جركس فانه خلع لجام الحصان وأراد أن يعدي به بمفرده إلى البر الأخر فانغرز الحصان في روبة وتحتها الماء عميق فنزل من على ظهره ليخلصه فزلقت رجله وغرق بجانبه، وكان بالقرب منه شادوف وعليه رجلان من الفلاحين ينقلان الماء إلى المزرعة فنزلا إليه فوجدا الحصان ميتاً وهو غاطس بجانبه لم يعلما من هو، فجراه من رجله وأخذا سلاحه وزرخه وثيابه وما في جيوبه ودفناه بالجزيرة. ومر بهما قارب صياد فطلباه ووضعاه فيه وكان علي بك جالساً بجنب البحر ومعه سالم بن حبيب، فنظر سالم إلى القارب وهو مقبل فقال ما هذا إلا سمكة عظيمة واصلة إلينا فأوقفوا القارب في ناحية من البر، وتقدم أحد الشدافين إلى الصنجق وباس يده فقال له ما خبرك قال وجدنا جندياً من المهزومين وهو غرقان بحصانه فلعله من المطلوبين وإلا رميناه البحر، فلما رآه عرفه ورجع إلى الصنجق فأمر بإخراجه من القارب ووضع أحد الرجلين في الحديد، وقال للثاني أذهب فآت بكامل ما أخذتماه وأنا أطلق لك رفيقك، وأمر بسلخ رأسه وغسلوه وكفنوه ودفنوه ناحية شرونة، وارتحلوا وساروا إلى مصر. وكان القاسمية الذين بمصر فعلوا فعلهم وقتلوا ذا الفقار بك وذلك في أواخر رمضان والبلد في كرب، والقاسمية منتظرون قدوم جركس وأبواب المدينة مقفلة، وعلى كل باب أمير من الصناجق والوجاقلية داثرون بالطوف في الشوارع وبأيديهم الأسلحة. فلما وصل علي بك قطامش إلى الآثار النبوية وأرسل عرفهم بما حصل، خرج إليه عثمان بك ودخل صحبته بموكب والرأس أمامهم محمولة في صينية، فكان ذلك اليوم يوم سرور عند الفقارية وحزن عظيم عند القاسمية. فطلعوا بالرأس إلى القلعة فخلع عليهم الباشا الخلع السمور ونزلوا إلى منازلهم، وأتتهم التقادم والهدايا: فكان بين موت جركس وذي الفقار خمسة أيام، ولم يشعر أحدهما بموت الآخر. ثم تتبعوا القاسمية وقتلوا منهم ألوفاً. وبهذه الحوادث انقطعت دولة القاسمية، والسبب في دمارهم محمد بك جركس المترجم وابن أستاذه محمد بك بن أبي شنب، وسوء أفعالهما وخبث نياتهما، فإن جركس هذا كان من أظلم خلق الله وأتباعه كذلك وخصوصاً سراجه المعروف بالصيفي وطائفته، وكانت أيامه شر الأيام، وحصل منهم من أنواع الفساد والإفساد مالا يمكن ضبطه وكان موته في أواخر رمضان سنة 1142. ولبسوا محمد بك قطامش قائمقام، وأخذوا منه فرماناً وجهزوا أمر التجريدة، فأخرجوا فيها مدافع كبار وأحضروا سالم بن حبيب ومعه نصف سعد ونزل عثمان جاويش القازدغلي بجماعة جهة البدرشين وصحبته علي كتخدا الجلفي بالمراكب، ورتبوا أمورهم وأشغالهم ووصل جركس ومن معه ناحية دهشور، والمنشية، ووقعت بينهم حروب ووقعت الهزيمة على جركس، وقتل سليمان بك ونزلت القرابة المركب وسارت الخيالة صحبة العرب مقبلين. وسار عثمان جاويش القازدغلي خلف قرا مصطفى جاويش ليلاً ونهاراً حتى أدركه عند أبي جرج، فقبض عليه ومعه ثلاثة وأخذ ما وجده معه وأنزلهم في المركب، وأتى بهم إلى مصر، وقطعوا رؤوسهم وأرسلوا فرماناً برجوع التجريدة ولحوق الصنجقيين وأغات البلك والأسباهية وسالم بن حبيب بجركس أينما توجه. فسافروا خلفه أياماً ثم عدى إلى جهة الشرق ومعه عرب خويلد، وأقام هناك ينتظر حركة القاسمية بمصر، وكانوا عدوا معه سراً على قتل ذي الفقار بك فعدى إليه علي بك قطامش والعسكر وسالم بن حبيب فتلاقوا معه ووقع بينهم مقتلة عظيمة انجلت عن انهزام جركس ومن معه حتى ألقوا بأنفسهم في البحر. وأما جركس فانه خلع لجام الحصان وأراد أن يعدي به بمفرده إلى البر الأخر فانغرز الحصان في روبة وتحتها الماء عميق فنزل من على ظهره ليخلصه فزلقت رجله وغرق بجانبه، وكان بالقرب منه شادوف وعليه رجلان من الفلاحين ينقلان الماء إلى المزرعة فنزلا إليه فوجدا الحصان ميتاً وهو غاطس بجانبه لم يعلما من هو، فجراه من رجله وأخذا سلاحه وزرخه وثيابه وما في جيوبه ودفناه بالجزيرة. ومر بهما قارب صياد فطلباه ووضعاه فيه وكان علي بك جالساً بجنب البحر ومعه سالم بن حبيب، فنظر سالم إلى القارب وهو مقبل فقال ما هذا إلا سمكة عظيمة واصلة إلينا فأوقفوا القارب في ناحية من البر، وتقدم أحد الشدافين إلى الصنجق وباس يده فقال له ما خبرك قال وجدنا جندياً من المهزومين وهو غرقان بحصانه فلعله من المطلوبين وإلا رميناه البحر، فلما رآه عرفه ورجع إلى الصنجق فأمر بإخراجه من القارب ووضع أحد الرجلين في الحديد، وقال للثاني أذهب فآت بكامل ما أخذتماه وأنا أطلق لك رفيقك، وأمر بسلخ رأسه وغسلوه وكفنوه ودفنوه ناحية شرونة، وارتحلوا وساروا إلى مصر. وكان القاسمية الذين بمصر فعلوا فعلهم وقتلوا ذا الفقار بك وذلك في أواخر رمضان والبلد في كرب، والقاسمية منتظرون قدوم جركس وأبواب المدينة مقفلة، وعلى كل باب أمير من الصناجق والوجاقلية داثرون بالطوف في الشوارع وبأيديهم الأسلحة. فلما وصل علي بك قطامش إلى الآثار النبوية وأرسل عرفهم بما حصل، خرج إليه عثمان بك ودخل صحبته بموكب والرأس أمامهم محمولة في صينية، فكان ذلك اليوم يوم سرور عند الفقارية وحزن عظيم عند القاسمية. فطلعوا بالرأس إلى القلعة فخلع عليهم الباشا الخلع السمور ونزلوا إلى منازلهم، وأتتهم التقادم والهدايا: فكان بين موت جركس وذي الفقار خمسة أيام، ولم يشعر أحدهما بموت الآخر. ثم تتبعوا القاسمية وقتلوا منهم ألوفاً. وبهذه الحوادث انقطعت دولة القاسمية، والسبب في دمارهم محمد بك جركس المترجم وابن أستاذه محمد بك بن أبي شنب، وسوء أفعالهما وخبث نياتهما، فإن جركس هذا كان من أظلم خلق الله وأتباعه كذلك وخصوصاً سراجه المعروف بالصيفي وطائفته، وكانت أيامه شر الأيام، وحصل منهم من أنواع الفساد والإفساد مالا يمكن ضبطه وكان موته في أواخر رمضان سنة 1142.
ومات الأمير علي بك المعروف بالهندي وهو مملوك أحمد بك تابع إيواظ بك الكبير جرجي الجنس تقلد الإمارة والصنجقية بالديار الرومية، وذلك أنه لما قلد إسمعيل بك بن إيواظ أستاذ أحمد بك الصنجقية والإمارة على السفر إلى بلاد مورة في سنة 1127 عوضاً عن يوسف بك الجزار جعل عليا هذا كتخداه، فلما توجهوا إلى هناك وتلاقوا في مصاف الحرب، هجم المصريون على طابور العدو بعد انهزام الروميين، فكسروا الطابور وأنهزم العدو وأستشهد أحمد بك أمير العسكر المصري. فلما رجعوا إلى اسلامبول ذكروا ذلك وحكوه لرجال الدولة، فأنعموا على علي الهندي وأعطوه صنجقية أستاذه أحمد بك وأعطوه مرسوماً بنظر الخاصكية قيد حياته زيادة على ذلك، ورجع إلى مصر ولم يزل معدوداً في الأمراء الكبار مدة دولة إسمعيل بك ابن سيد أستاذه حتى قتل إسمعيل بك وأراد قتله محمد بك جركس هو وعلي بك الأرمني المعروف بأبي العدبات، فدافع عنهما محمد باشا وقال أن الهندي منظور مولانا السلطان والأرمني أمين العنبر وناصح في بخدمته وضمن عائلتهما الباشا، فاستمرا في إمارتهما. فلما أستوحش جركس من ذي الفقار وجرد عليه وهو في كشوفية المنوفية هرب وحضر إلى مصر ودخل عند علي بك الهندي المذكور فأخفاه عنده خمسة وستين يوماً، ثم أنتقل إلى مكان آخر والمترجم يكتم أمره فيه وجركس وأتباعه يتجسسون ويفحصون عليه ليلاً ونهاراً وعزل جركس محمد باشا وحضر علي باشا ودبروا أمر ظهور ذي الفقار مع عثمان كتخدا الغازدغلي، وأحضروا إليهم المترجم وصدروه لذلك وأعانوه بالمال، وفتح بيته وجمع إليه الإيواظية والخاملين من عشيرتهم وكتموا أمرهم وثاروا ثورة واحدة وأزالوا دولة جركس كما تقدم. وظهر أمر ذي الفقار وتقلد علي بك الهندي الدفتر دارية بموجب الشرط المتقدم، وحضر محمد بك قطامش من الديار الرومية باستدعاء المصريين بتقليد الدفتر دارية من الدولة، فلم يمكنه المترجم منها حتى ضاقت نفسه منه ووجه عزمه إلى ذي الفقار بك، وألح عليه وهو يعده ويمنيه ويأمره بالصبر والتأني، إلى أن حضر المملوك الواشي وأخبر علي بك باجتماع مصطفى بك بن إيواظ وأبي العدب ومن معهم، وذكر له ما قالوه في حال نشوتهم، فلم يتغافل عن ذلك وقال لذلك المملوك: أذهب إلى ذي الفقار بك فأخبره. فذهب إليه فعرفه صورة الحال، فأوقع بهم ما تقدم ذكره من قتلهم بيد الباشا، وكان يظن مصافاة ذي الفقار له ويعتقد مراعاة حقه له، وبهذه النكتة صار علي بك وحيداً فطمع فيه العدو، واختلى محمد بك قطامش بذي الفقار بك وتذاكر معه أمر الدفتر دارية وعدم نزول علي بك عنها، وقال: لابد من قتلي إياه، فقال له ذو الفقار: لا أدخل معك في دمه فإن له في عنقي جميلاً فإن كنت ولابد فاعلاً فأذهب إلى يوسف كتخدا البركاوي ورضوان أغا وعثمان جاويش القازدغلي ودبر معهم ما تريد، ولكن أن قتلتم الهندي فلازم من قتل محمد بك الجزار وذي الفقار قانصوه. فقال محمد بك قطامش: أن ابن الجزار له في عنقي جميل فإنه صان بيتي وحريمي في غيابي كوالده من قبل، فقال ذو الفقار بك: وأنا كذلك أقمت في الاختفاء بمنزل علي بك وبغيره باطلاعه. وأنحط الأمر بينهم على الخيانة والغدر، وذهب محمد بك فأجتمع بيوسف البركاوي ومن ذكر وتوافقوا على ذلك. فأحضر يوسف كتخدا البركاوي باش سراجينه وكلمه على قتل الهندي ووعده بالإكرام، فأخذ معه في صبحها خمسة أنفار ووقف بهم عند باب العزب. فلما أقبل علي بك في طائفته أبتكر ذلك السراج مشاجرة مع بعض السراجين وتسابوا فقيل لهم: أما تستحوا من الصنجق فأخرج ذلك السراج الطبتجة وضربها في صدر الصنجق فنفذت الرصاصة من كمه وساق علي بك جواده إلى جهة المحجر وسار على باب زويلة وذهب إلى داره بحارة عابدين وحضر إليه طوائفه وأغراضه وأصحابه وامتلأ البيت والشارع وباتوا تلك الليلة، وعند الفجر ركب محمد بك قطامش وحضر عند ذي الفقار بك فركب معه إلى جامع السلطان حسن البركاوي وباقي الأغوات، فأرسلوا من طرفهم جاسوساً إلى بيت الهندي فرجع وعرفهم بمن عنده، فقال رضوان أغا: أنا أذهب إليه وأحضره بحيلة إلى بيت ذي الفقار بك، ويأتي أغات مستحفظان فيأخذه إليكم. فركب رضوان أغا وأرسلوا إلى ذي الفقار بك قانصوه أتي عندهم أيضاً. فلما دخل رضوان أغا على علي بك الهندي وجده شعلة نار، فجلس معه وحادثه وخادعه وقال له: بلغني أن ذا الفقار بك في بيتك خمسة وستين يوماً وبينك وبينه عهد وميثاق، فقم بنا إلى بيته وهو ينظر السراج الذي ضرب عليك الطبنجة وينتقم منه، ودع الجماعة ينتظرونا إلى أن نعود إليهم. فطلب الحصان فأشار عليه كتخدا الجلفي بعدم الذهاب، فلم يسمع وركب في قلة من أتباعه وصحبه مملوكان فقط، وذهب مع رضوان أغا فدخل معه بيت ذي الفقار بك وتركه وسار ليأتي إليه بذي الفقار بك، وذهب إليهم وعرفهم حصوله في بيت ذي الفقار. فأرسلوا إليه أغات مستحفظان في جماعة كثيرة فدخلوا بيت ذي الفقار بك وأخذوا الحصان والكرك من عليه وقدموا له اكديشاً عرياناً، فقام عثمان تابع صالح كتخدا عزبان الرزاز وأخذ كليماً قديماً فوق الاكديش وميل عليه، وقال له: هذا جزاء من يقص جناحه بيده. وأركبوه عليه ذهبوا به إلى السلطان حسن. فلما رآه ذو الفقار بك قال خذوا هذا أيضاً وأشار إلى ذي الفقار قانصوه وكان رجلاً وجيهاً ولحيته بيضاء عظيمة وعليه هيبة ووقار فسحبوهما مشاة على أقدامهما إلى سبيل المؤمن، وقطعوا رؤوسهما ووضعوهما في تابوتين وذهبوا بهما إلى بيوتهما، فما شعر الجماعة الجالسون في بيت الهندي إلا وهم داخلون عليهم برمته، فغسلوه وكفنوه ومشوا في جنازته وذهبوا إلى منازلهم وأنفض الجميع. وركب ذو الفقار ومن معه وطلعوا إلى القلعة وتمموا أغراضهم. وكان المترجم سليم الصدر وعنده الحلم والعفة وسماحة النفس، وتولى كشوفية الغربية والمنوفية وبنى سويف ونظر الخاصكية بأمر سلطاني قيد حياته. فلما ترأس محمد بك جركس وابن أستاذه محمد بك ابن أبي شنب الدفتر دارية نزعها منه فورد بذلك مرسوم من الدولة بالتمكين للمترجم بنظر الخاصكية، وألبسه محمد باشا قفطاناً بذلك، فلم يمتثل محمد بك ابن أبي شنب ولم يمكنه منها، فورد بعد ذلك مرسوم كذلك بتمكين علي بك فلبسه علي باشا قفطاناً وبعث إلى محمد بك يطلب منه المفاتيح فوعده بذلك. ثم أحضروها له بسعي رجب كتخدا ومحمد جاويش الداودية فأعطاها إلى علي بك فركب بصحبة الأغا المعين ونائب القاضي، ومن كل بلك واحد، وفتحوا الخاصكية فلم يجدوا فيها شيئا فأخذ حجة بذلك. وكان موت المترجم في أوائل سنة 1140. ذا الفقار بك في بيتك خمسة وستين يوماً وبينك وبينه عهد وميثاق، فقم بنا إلى بيته وهو ينظر السراج الذي ضرب عليك الطبنجة وينتقم منه، ودع الجماعة ينتظرونا إلى أن نعود إليهم. فطلب الحصان فأشار عليه كتخدا الجلفي بعدم الذهاب، فلم يسمع وركب في قلة من أتباعه وصحبه مملوكان فقط، وذهب مع رضوان أغا فدخل معه بيت ذي الفقار بك وتركه وسار ليأتي إليه بذي الفقار بك، وذهب إليهم وعرفهم حصوله في بيت ذي الفقار. فأرسلوا إليه أغات مستحفظان في جماعة كثيرة فدخلوا بيت ذي الفقار بك وأخذوا الحصان والكرك من عليه وقدموا له اكديشاً عرياناً، فقام عثمان تابع صالح كتخدا عزبان الرزاز وأخذ كليماً قديماً فوق الاكديش وميل عليه، وقال له: هذا جزاء من يقص جناحه بيده. وأركبوه عليه ذهبوا به إلى السلطان حسن. فلما رآه ذو الفقار بك قال خذوا هذا أيضاً وأشار إلى ذي الفقار قانصوه وكان رجلاً وجيهاً ولحيته بيضاء عظيمة وعليه هيبة ووقار فسحبوهما مشاة على أقدامهما إلى سبيل المؤمن، وقطعوا رؤوسهما ووضعوهما في تابوتين وذهبوا بهما إلى بيوتهما، فما شعر الجماعة الجالسون في بيت الهندي إلا وهم داخلون عليهم برمته، فغسلوه وكفنوه ومشوا في جنازته وذهبوا إلى منازلهم وأنفض الجميع. وركب ذو الفقار ومن معه وطلعوا إلى القلعة وتمموا أغراضهم. وكان المترجم سليم الصدر وعنده الحلم والعفة وسماحة النفس، وتولى كشوفية الغربية والمنوفية وبنى سويف ونظر الخاصكية بأمر سلطاني قيد حياته. فلما ترأس محمد بك جركس وابن أستاذه محمد بك ابن أبي شنب الدفتر دارية نزعها منه فورد بذلك مرسوم من الدولة بالتمكين للمترجم بنظر الخاصكية، وألبسه محمد باشا قفطاناً بذلك، فلم يمتثل محمد بك ابن أبي شنب ولم يمكنه منها، فورد بعد ذلك مرسوم كذلك بتمكين علي بك فلبسه علي باشا قفطاناً وبعث إلى محمد بك يطلب منه المفاتيح فوعده بذلك. ثم أحضروها له بسعي رجب كتخدا ومحمد جاويش الداودية فأعطاها إلى علي بك فركب بصحبة الأغا المعين ونائب القاضي، ومن كل بلك واحد، وفتحوا الخاصكية فلم يجدوا فيها شيئا فأخذ حجة بذلك. وكان موت المترجم في أوائل سنة 1140.
ومات الأمير ذو الفقار بك قانصوه وهو تابع قانصوه بك الكبير الإيواظي القاسمي، تقلد الإمارة والصنجقية في سابع شعبان سنة 1128 ولبس عدة مناصب كثيرة مثل كشوفية بني سويف والبحيرة. ولما حصلت الحوادث وقتل إسمعيل بك ابن إيواظ أعتكف في بيته ولازم داره ولم يتداخل معهم في شيء من الأمور، فلما تعصب ذو الفقار بك ومحمد بك قطامش ومن معهم على قتل علي بك الهندي وإخماد فرقة القاسمية عزم على قتل ذي الفقار قانصوه أيضاً وأرسل إليه وأحضره إلى جامع السلطان حسن وهو لم يخطر بباله أنهم يغدرونه لانجماعه عنهم. فلما أحضروا علي بك الهندي على الصورة المتقدمة وسحبوه إلى القتل فقال ذو الفقار بك: خذوا هذا أيضاً، وأشار إلى المترجم لحزازة قديمة بينهما أو لعلمه بأنه من رؤساء القاسمية وقاعدة من قواعدهم. فقال لهم: وما ذنبي خذوا عني الأمرية والبلاد ولا تقتلوني ظلماً. فلم يمهلوه ولم يسمعوا لقوله، فسحبوه ماشياً مع الهندي وقتلوهما تحت سبيل المؤمن بالرميلة، وكان إنساناً عظيماً وجيهاً منور الشبيبة عظيم اللحية رحمه الله تعالى.
ومات الأمير محمد بك ابن يوسف بك الجزار تقلد الإمارة والصنجقية في شعبان سنة 1138 بعد واقعة محمد بك جركس وخروجه من مصر. ولما قتل علي بك الهندي وذو الفقار بك قانصوه كان هو في كشوفية المنوفية، فعينوا له تجريدة وعليها إسمعيل بك قيطاسن وأخذ صحبته عربان نصف سعد وكان قد وصل إليه الخبر فأخذ ما يعز عليه، وترك الوطاق وأرتحل إلى جسر سديمة. فلحقوه هناك واحتاطوا به وحاربوه وحاربهم وقتل بينهم أجناد وعرب وحمى نفسه إلى الليل. ثم أحضر مركباً فنزل فيها وصحبته مملوكان لا غير وفراش وأخراج وذهب إلى رشيد، وترك أربعة وعشرين مملوكاً خلاف المقتولين. فأخذوا الهجن وساروا ليلاً متحيرين حتى جاوزوا وطاق إسمعيل بك. وتخلف منهم شخص فحضر إلى وطاق إسمعيل بك قيطاس فأخبره فأرتحل كتخداه بطائفة فردوهم وأخذوهم عنده، فخدموه إلى أن مات. ودخل محمد بك الجزار ثغر رشيد فاختفى في وكالة، فنمي خبره إلى حسين جربجي الخشاب السردار، فحضر إليه وقبض عليه وسجنه مع أحد المملوكين، وكان الثاني غائباً بالسوق فتغيب ولم يظهر إلا بعد مدة، وأرخى لجنة وفتح له دكاناً يبيع ويشتري ولم يعرفه أحد. وأرسل حسين جربجي الخبر إلى مصر مع الساعي إلى ذي الفقار بك ويستأذن في أمره بشرط أن يجعلوه صنجقاً ويعطوه كشوفية البحيرة عن سنة 1140، فأجيب إلى ذلك وأرسلوا له فرماناً بقتل محمد بك الجزار وقتل مملوكه، وأن يأتي هو إلى مصر وأعطوه مراده ومطلوبه. ومع الفرمان أغا معين من طرف الباشا، فقتلوا محمد بك ومعه مملوكه وسلخوا رؤوسهما. ورجع بهما الأغا المعين إلى مصر.
ومات الأمير محمد بك ابن إبراهيم بك أبي شنب القاسمي تقلد الإمارة والصنجقية في حياة والده في سنة 1127 ولما توفي والده أنتقل إلى بيته الذي بالقرب من جامع اينال بالقرب من قناطر السباع، وتولى عدة كشوفيات بالإقليم في أيام المرحوم إسمعيل بك ابن إيواظ. وكان يحقده ويحسده ويكرهه باطناً، هو ومماليك أبيه وخصوصاً محمد بك جركس. وأرادوا اغتياله وأوقفوا له في طريقه من يقتله ونجاه الله منهم، فظفر بهم وأخرج جركس منفياً إلى قبرص كما تقدم، وسافر محمد بك المترجم بالخزينة فأغرى به رجال الدولة وأوشى في حقه وحصل ما تقدم ذكره، وأيده الله عليهم أيضاً في تلك المرة. ولما قتل إسمعيل بك واستقل محمد جركس فتقلد المترجم دفتر دار وصار أميراً كبيراً يشار إليه ويرجع إليه في جميع الأمور، ولما عزلوا محمد باشا النشنجي تقلد المترجم أيضاً قائمقام وعمل الدواوين في بيته، ولم يطلع إلى القلعة كعادة الوكلاء والنواب وقلد المناصب والأمريات في منزله، وصار كأنه سلطان. وكان على نسق مملوك أبيه محمد جركس في العسف وسوء التدبير ولا يخرج أحدهما عن مراد الآخر. ولم يزل على ذلك حتى وقعت حادثة ظهور ذي الفقار، وخرج محمد بك جركس ومن معه هاربين، واختفى المترجم. ثم أن جماعة من العامة وجدوه ميتاً بالجامع الأزهر.
ومات أيضاً عمر بك أمير الحاج تابع عبد الرحمن بك جرجا المتقدم ذكره، انطوى إلى محمد بك جركس وأمره وجعله أمير الحاج في أيامه. وكان غنياً وصاحب فائظ كثير، ومات في واقعة جركس.
ومات رضوان بك وهو من مماليك محمد بك جركس ويقال له رضوان الخازندار، قلده الصنجقية وأخذ نظر الخاصكية من علي بك الهندي وأعطاها له. وتنافس بسببها مع جركس وانجمع كل منهما عن الآخر مدة طويلة. ولما وقع لجركس ما وقع اختفى رضوان بك المذكور عند يوسف بك زوج هانم، فأخبر عنه وأخذه سليمان أغا وقتله فسمي لذلك يوسف الخائن.
ومات الأمير علي بك المعروف بالأرمني ويعرف أيضاً بالشامي وهو من أتباع ابن إيواظ وكان أمين العنبر ويعرف أيضاً بأبي العدب، تقلد الصنجقية في عشري شهر القعدة سنة 1135 ولما أراد إسمعيل بك تأميره لم يجدوا له أمريه في المحلول. فأنعم عليه الباشا بصنجقية كتخداه رعاية لخاطر ابن إيواظ.
ومات أيضاً مصطفى بك ابن إيواظ وهو أخو إسمعيل بك، تقلد الإمارة والصنجقية أيام ظهور ذي الفقار كما تقدم وصار من الأمراء القاسمية المعدودين فلما أحضر الباشا علي بك الأرمني وقتله وأمر بالقبض على باقي الجماعة فقبضوا على مصطفى بك المذكور وأحضروه على حمار وصحبته المقدم تابعه، فقتلوهما تحت ديوان قايتباي بعد قتل علي بك بيومين.
ومات الأمير صاري علي بك ويقال له علي بك الأصغر لأن صاري بمعنى الأصغر وهو من أتباع إيواظ بك، تقلد الإمارة والصنجقية غاية شعبان سنة 1135 ولبس كشوفية الغربية، ولما قتل ابن أستاذه إسمعيل بك إستعفى من الصنجقية وعمل جربجياً بباب العزب، واعتكف ببيته ولم يتداخل في أمر من الأمور، ثم أعيد وسافرا أميراً بالعسكر إلى الروم وتوفي بدار السلطنة سنة 1141.
ومات الأمير أحمد كتخدا عزبان المعروف بأمين البحرين، وكان من الأعيان المشهورين نافذ الكلمة وافر الحرمة. وكان بينه وبين الأمير إسمعيل بك ابن إيواظ وحشة، وكان يكرهه فلما ظهر إسمعيل بك خمدت كلمة المترجم واستمر في خموله ثم أنضم إلى إسمعيل بك وتحابب له، وصار من أكبر أصدقائه. وعمل باش أوده باشه ثم تولى الكتخدائية وعمل أمين البحرين ثالث مرة. وسمعت كلمته ونمي صيته، فلما قتل إسمعيل بك رجع إلى خموله. ثم نفي إلى أبي قير بمعرفة اختيارية الباب، وتعصب إبراهيم كتخدا أفندي عليه وكان إذ ذاك ضعيف المزاج فأرسلوا له الفرمان صحبة كمشك جاويش ومعه نحو المائتين نفر، فدخلوا عليه منزله بدرب السادات مطل على بركة الفيل، على حين غفلة وأركبوه من ساعته وهم حوله إلى بولاق وأرسلوه إلى أبي قير. ثم أرسلوا له فرماناً بالسفر إلى سفر العجم مع صاري علي وجعلوه سر دار العزب، ومع الفرمان القفطان وفيه الأمر له بأن يجهز نفسه ويسافر من أبي قير إلى الإسكندرية. وتوفي في سنة 1141.
ومات الأمير علي بك قاسم وهو ابن أخي قاسم بك الصغير ويلقب بالملفق، ولما مات قاسم بك بالبهنسا كما تقدم قلد محمد بك جركس عليا هذا الصنجقية عوضاً عن قاسم بك ونزل في منصبه وأعطاه فائظه.
ولم يزل أميراً حتى خرج محمد بك جركس من مصر هارباً وخرج معه من خرج، واختفى المترجم فيمن اختفى ببيت امرأة دلالة في كوم الشيخ سلامة ومات به.
ومات الأمير رجب كتخدا سليمان الأقواسي، وذلك أنه لما انقضى أمر جركس قلدوا رجب كتخدا سر دار جداوي وجعلوا الأقواسي يمق، وجهزا أمورهما وأحمالهما وخرجا إلى البركة ليذهبا إلى السويس، فخرج إليهما صنجق من الأمراء وصحبته جاويش من الباب فأتياهما آخر الليل وقتلاهما وقطعا رؤوسهما وضبطا ما وجداه من متاعهما وسلماه لبيت المال بالباب.
ومات الأمير أحمد أفندي كاتب الروزنامة ابن محمد أفندي التذكرجي خنقه محمد باشا النشنجي في واقعة جركس وظهور ذي الفقار بك، ولما خرج جركس من مصر هارباً خرج معه إلى وردان وكان جسيماً، فانقطع مع بعض المنقطعين وأخذت ثيابهم العرب، وقبضوا عليه وفيهم أحمد أفندي الروزنامجي، وأتوا بهم إلى مصطفى تابع رضوان أغا وكان في الطرانة قائمقام. فأخذهم وقتل منهم أن أناساً وأرسل رؤوسهم وأرسل أحمد أفندي بالحياة، فحضروا به إلى بيت الدفتر دار وهو راكب على ظهر حمار سوقي، فأرسله علي بك الهندي الدفتر دار إلى ذي الفقار، لم يلتفت إليه ولم يخاطبه وأرسله إلى الباشا فمثل بين يديه، وكان يوم ديوانه وذلك بعد الواقعة بخمسة أيام، فأرسله الباشا إلى كتخداه، فبات عنده تلك الليلة، ثم أرسله إلى كتخدا مستخفظان فحبسه بالقلعة وخنقوه تلك الليلة وأنزلوه إلى بيته فغسلوه وكفنوه ودفنوه.
ومات محمد جربجي المرابي وكان ذا مال عريض، وضبط موجوده ألقي كيس، ولم يعقب أولاداً إلا أولاد سيده وزوجته بنت أستاذه، وأوصى لشخص يقال له عمر أغا بثلاثين كيساً، ولآخر بالفي دينار ولآخر بألف ولكل مملوك من مماليكه ألف دينار ولمجاوري الأزهر حمسمائة دينار. توفي في عشرين رمضان سنة 1138.
ومات المعلم داود صاحب عيار خنقه محمد باشا النشجي بعد خروج محمد بك جركس فقبضوا عليه وحبسوه بالعرقانة وخنقوه، وهو الذي ينسب إليه الجدد الداودية. وفي سنة 1137 الماضية حضر من الديار الرومية أمين ضربخانة وصاحب عيار وصناع دار الضرب وصحبتهم سكة الفندقلي والنصف فندقلي وأن يكون عياره ثلاثة وعشرين قيراطاً، وصرف الفندقلي مائة وأربعة وثلاثون نصفاً، والنصف سبعة وستون، فاحضر الباشا المعلم داود وطلب منه سكة الجنزرلي وأعطاه سكة الفندقلي وختم على سكة الجنزرلي في كيس وأودعها في خزانة الديوان. وعندما سمع داود بهذه الأخبار قبل حضورهم إلأى مصر تدارك أمره وفرق علي الباشا وكتخدا الباشا ومحمد بك جركس والمتكلمين عشرين ألف دينار. فلما قرئ المرسوم بالديوان قالوا سمعنا وأطعنا في أمر السكة، وأما صاحب عيار فإنه لا يتغير، فقال الباشا: كذلك لكن يكون الأغا ناظراً على الضربخانة لأجل أجراء المرسوم، وتم الأمر على ذلك. فلما عزل الباشا أجتمع الموردون للذهب عند المعلم داود وكلموه في إخراج سكة الجنزرلي، لأنهم هابوا سكة الفندقلي وامتنعوا من جلب الذهب. وتعطل الشغل، فرشا قائمقام وأخرج له سكة الجنزرلي وسلمها لداود فأخذها إلى داره بالجيزة وعمل له فرناً للذهب، وأحضر الصناع والذهب من التجار وضرب في ستين يوماً وليلة تسعمائة وثمانين ألف جنزرلي، ونقص عياره قيراطاً ودفع المصلحة وسدد ما عليه من ثمن الذهب وقضى ديونه وكشوفية دار الضرب. فصارت الصيارف تتوقف فيه ويقولون ضرب الجيزة يعجز خمسة أنصاف فضة فنقمها محمد باشا على داود، فلما عاد إلى المنصب في واقعة جركس وذي الفقار قبض عليه وقتله، وذلك في أواخر جمادى الآخرة سنة 1138.
ومات الأمير أحمد بك الأعسر وهو من مماليك إبراهيم بك أبي شنب القاسمي تقلد الإمارة والصنجقية في عشرين شهر شوال 1123 وتلبس بعده مناصب مثل جرجا والبحيرة والدفتر دارية وعزل عنها، وهو خشداش جركس، وعضده وخرج معه من مصر ولما ذهب جركس إلى بلاد الإفرنج تخلف عنه وأقام عند العرب ونزل عند ابن غازي بناحية درنة. فلما وصل الحاج المغربي أرسل معهم ثلاثة من مماليكه وأرسل معهم مكاتيب ومفاتيح إلى ولد وذكر له أنه يتوجه إلى رجل سماه له. فلما وصلت السفينة التي نزلوا بها أعلم القبطان سردار مستحفظان فقبض عليهم وأرسل بخبرهم إلى باب مستحفظان، فأخبروا الباشا فأحضروا إلى الشرطة وأمره بإحضار ابن أحمد بك الأعسر، فأحضره فأمر بحبسه بالعرقانة فحبسوه وعاقبوه، فأقر بأن المال عند ابن درويش المزين وهو كان مزين إبراهيم بك أبي شنب، فأرسلوا إليه وهجموا عليه ليلاً وأخذوا كل ما في داره ووجدوا عنده ثلاثة صناديق للأعسر، ثم نفوا بعد ذلك ابن أحمد بك إلى دمياط، ولم يزل أحمد بك ينتقل مرة عند عرب درنة ومرة عند الهوارة بالصعيد وكذلك باقي جماعة جركس وخشداشينه، حتى رجع إليهم جركس وخرجت إليهم التجاريد، وقتل في الحرب سنة 1143.
ومات الأمير مصطفى بك الدمياطي، قلده الصنجقية ذو الفقار بك بعد هروب محمد بك جركس وولاه جرجا، وكان يقال له مصطفى الهندي فلما نزل إلى جرجا وكان بها سليمان بك القاسمي، عدى سليمان بك إلى البر الشرقي تجاهه، وصار كل يوم بعمل نشانا ويضرب الجرة، فلم يتجاسر مصطفى بك على التعدية وكان غالب أتباع مصطفى بك وطوائفه قاسمية من أتباع المقتولين، فراسلهم سليمان بك وراسلوه سراً ثم أتفقوا على قتل مصطفى بك فقتلوه وغدروه ليلاً وأخذوا خزانته وما أمكنهم من متاعه، وعدوا إلى سليمان بك وأنضموا إليه. فلما أصبح مماليكه وخاصته وجدوا سيدهم مقتولاً فغسلوه وكفنوه ودفنوه. وكتب كتخداه بذلك إلى ذي الفقار بك، فلما وصل إليه الجواب أرسل إليه بالحضور بمخلفاته ومماليكه المشتروات، ففعل ذلك وقلد عوضه حسن كاشف من أتباعه الصنجقية وولاية جرجا فأرسل قائمقامه، ثم جهز أموره ونزل إلى منصبه.
ومات سليمان بك القاسمي المذكور آنفاً وذلك أيه لما رجع محمد بك جركس وسار إلى ناحية القطيعة ثم أنتقل إلى جهة الغرب قبلي جرجا فأرسل إلى المترجم يطلبه للحضور إليه بمن معه من القاسمية، فعدى إليه بمن ذكر وصحبته قرا مصطفى أوده باشا، فقابلوه وأرتحل معهم إلى بحري فبرز إليهم حسن بك وقتل كما ذكر وأستولى جركس على صيوانه ومطابخه وعازقه، وأرتحل جركس ومن معه إلى بحري وخرجت إليهم التجاريد وأميرها عثمان بك وعلي بك قطامش، فتلاقوا معهم بوادي البهنسا ووقعت بينهم الحروب. وكان مع جركس طوائف الزيدية وخلافهم، وأنجلت الحرب عن هزيمة المصريين، وأستولى جركس ومن معه على خيامهم ونزل جركس في وطاق عثمان بك وسليمان بك المترجم في وطاق علي بك ورجع المنهزمون إلى مصر، وزحف جركس ومن معه إلى ناحية دهشور وخرجت لهم التجريدة ونصبوا تجاههم فأصبح سليمان بك وتهيأ للركوب والمحاربة، فمنعه جركس وقال له: هذا اليوم ليس لنا فيه حظ. فقال له: كيف أصب على القعاد والراية البيضاء أمامي، ثم ركب وهجم على التجريدة وقتل أناساً كثيرا وشتتهم وأنحازوا خلف المتاريس، وردوه بالمدافع وبرزوا إليه مرتين، وهزمهم وفي الثالثة أصيب جواده برصاصة في فخذه فسقط إلى الأرض فتحلقت به طوائفه ومماليكه وذهب بعض الخدم ليأتي إليه بمركوب آخر وتابع الأخصام الرمي حتى تفرق من حوله ولم يبق معه سوى مملوك وآخر من الطوائف، فأصيب هو الطائفة فوقعا. فهجم عليه سالم بن حبيب وأخذوهما إلى الصيوان وقطعوا دماغهما ودفنوهما عند الشيمي، فلما وقع لسليمان بك ما وقع أرتحل جركس وسار نحو الجبل.
ومات قرا مصطفى جاويش وكان أوده باشا فلبسه جركس الضلمة في أيام رجب كتخدا مستحفظان سابقاً، ثم عمل كجك جاويش ونزل يجمع عرائد الباب من الوجه القبلي، فوقع بمصر ما وقع من حروب جركس وقتل رجب كتخدا والاقواسى فالتجأ إلى سليمان بك المذكور وعدى صحبه الشرق، فلما وقعت الحروب وقتل سليمان بك أجتمع إليه الطوائف القرابة ونزل بهم المراكب وساروا إلى قبلي فتبعه عثمان جاويش القازدغلي ليلاً ونهاراً حتى لحقه وهو راسي تحت أبي جرج، وكانت الأجناد الذين بصحبته طلعوا جهة الشرق قرابة من عدم القومانية، فقبضوا على مصطفى جاويش المذكور ومعه ثلاثة من الغزنهب عثمان جاويش ما وجدوه في المراكب، وحضر إلى مصر فقطعوا رأس مصطفى جاويش المذكور ومن معه.
ومات الأمير ذو الفقار بك الفقاري وهو مملوك عمر أغا من أتباع بلغية قتل سيده المذكور بعد انفصال الفتنة الكبيرة. ولما طلع الأمير إسمعيل بك أثر ذلك إلى باب العزب وقتل حسن كتخدا برمق سرو أمر بقتل عمر أغا المذكور فقتلوه عند باب القلعة وأمر بقتل المترجم أيضاً، وكان إذ ذاك خازنداره فالتجأ إلى علي خازندار حسن كتخدا الخلفي وكان من بلده فحماه وخاصم أستاذه من أجله وخلص له نصف قمن العروس، وكانت لاستاذه، فأخرج له تقسيطها وأخذ النصف الثاني إسمعيل بك من المحلول وتصرف في كامل البلد ومات حسن كتخدا الجلفي، فانطوى المترجم إلى محمد بك جركس وترجاه كي استخلاص فائظه من إسمعيل بك، وكلمه بسببه مراراً فلم ينجح. وكلماخاطبه في أمره قطب وجهه وقال له: أما يكفيك أني تاركه حياء لأجل خاطرك فإن أردت قبول شفاعتك فيه أطرد الصيفي من بيتك وأرسل إلي بعد ذلك المذكور يحاسبني وأعطيه الذي له. فيسكت جركس، وضاق الحال بالمترجم من الفشل والأعدام فاستأذن جركس في غدر ابن إيواظ فقال أفعل ما تريد، فوقف له مع نظرائه بالرميلة وضربوا عليه الرصاص فلم يصيبوه، ووقع بسبب ذلك ما وقع لجركس، وأخرج من مصر ونفي إلى قبرص كما تقدم، وتغيب المترجم فلم يظهر حتى رجع جركس وظهر أمره ثانيا وعاد إلى طلب فائظه والألحاح على جركس بذلك وهو يسوفه ويعده ويمنيه ويعتذر له، إلى أن ضاق خناقه وعاد إلى حالة الغدر الأولى، وفعل ما تقدم من المخاطرة بنفسه وقتله لابن إيواظ بمجلس كتخدا الباشا وكان إذ ذاك من آحاد الأجناد ولم يتقدم له إمارة ولا منصب، فعندها قلده الصنجقية وكشوفية المنوفية وأخذ من فائظ إسمعيل بك عشرين كيساً وأنضم إليه الكثير من فرقة الفقارية وحقد عليه القاسمية، وحضر رجب كتخدا ومحمد جاويش الداودية عند كركس وتذاكروا أمر ذي الفقار وأنهم نظروه وهو خارج بالموكب إلى كشوفية المنوفية ومعه عصبة الفقارية وامراؤهم، راكبين في موكبه مثل مصطفى بك بلغيه ومحمد بك أمير الحاج وإسمعيل بك الدالي وقيطاس بك الأعور وإسمعيل بك ابن سيده ومصطفى بك قزلار وغيرهم، وقالا له أن غفلنا عن هذا الحال قتلتنا الفقارية، فحركا فيه حمية الجاهلية وقتلا أصلان وقبلان بيد الصيفي وطلب من محمد باشا فرمانا بالتجريد على ذي الفقار فامتنع الباشا من ذلك، وقال: رجل خاطر بنفسه وفعل ما فعله باطلاعكم فكيف أعطيكم فرماناً بقتله. فتحامل جركس على الباشا وعزله وقلد محمد بك ابن أستاذه قائمقام وأخذ منه فرماناً وجهز التجريدة إلى ذي الفقار وكتب بذلك مصطفى بك بلغيه إلى ذي الفقار يخبره بما حصل، ويأمره بالإختفاء، ففعل ذلك وحضر إلى مصر واختفى أحمد أوده باشا المطر باز أياما وعند علي بك الهندي زيادة عن شهرين، وحصل له ما تقدم ذكره من حضور علي باشا والقبطان وقيام الإيواظية والفقارية وظهور ذي الفقار ووقوع الحرب بينهم وبين محمد بك جركس، وخروجه من مصر وذهابه إلى بلاد الإفرنج ورجوعه وتجهيز ذي الفقار بك التجاريد إليه وهزمها وزحفه على مصر. وقد كان أوقع بالإيواظية في غيبة جركس ما أوقعه من القتل والتشريد ما ذكرناه فلما قرب جركس من أرض مصر، راسل القاسمية سراً ومنهم سليمان أغا أبو دفية وهم إذ ذاك خاملون ومتغيبون ومختفون، وذو الفقار بك يفحص عنهم ويأمر الوالي والأغا والأوده باشة البوابه بالتجسس والتفتيش على كل من كان من القاسمية، وخصوصا يعسوبهم سليمان آغا المذكور. وقرب ركات جركس من مصر بعد ما كسر التجاريد وعدى إلى جهة الشرق وأشتد الكرب بذي الفقار وأجتهد في تحصين المدينة وأجلس أمراءه وصناجقه على الأبواب وفي النواحي والجهات ولازم أرباب الدرك والمقادم الطواف والحرس وخصوصاً بالليل وفتائل البندق مشعلة بالنار في الأزقة والشوارع،والقاسمية منتظرون الفرصة والوثوب من داخل البلدة. فلما راسل جركس سليمان أغا أبادفيه في الوثوب وأعمال الحيلة على قتل ذي الفقار بك بأي وجه أمكن، توافقوا فيما بينهم على وقت معين وأجتمع أبو دفية وخليل أغا تابع محمد بك قطامش وجمعوا إليهم ثلاثين أوده باشا من القاسمية وأعطاهم إلفا ومائتي جنززلي وأن يضم كل واحد منهم إليه عشرة أنفار ويقفوا متفرقين جهة باب الخرق وجامع الحين، وقت آذان العشاء، وجمع إليه خليل أغا نحو سبعين نفراً من القاسمية ولبسوا كملابس أتباع أوده باشه البوابه، ومن داخل ثيابهم الأسلحة وبأيديهم النبابيت. ولبس خليل أغا ثيئة الأوده باشا وزيه، وكان شبيهاً به في الصورة وأخذوا معهم سليمان أغا أبادفيه وهو مغطى الرأس وبيده القرابينة ودخلوا إلى بيت ذي الفقار بك في كبكبة وهو يقولون قبضنا على أبي دفية وكان المترجم جالساً بالمقعد ومعه الحاج قاسم الشرايبي وآخرون، وهو مشمر ذراعيه يريد الوضوء لصلاة العشاء، فلما وقفوا بين يديه وقف على أقدامه وقال أين هو فقال خليل أغا ها هو وكشفوا رأسه، فأراد أن يكلمه ويوبخه فأطلق أبو دفية القرابينة في بطن الصنجق وأطلق باقي الجماعة ما معهم من الطبنجات فانعقدت الدخنة بالمقعد، فنط قاسم الشرايبي ومن معه من المقعد إلى الحوش ونزلوا على الفور فوجدوا سراجه المسمى بالشتوي فقتلوه في سلالم المقعد، وعلي بك المعروف بالوزير قتلوه أيضاً وهو داخل يظنوه مصطفى بك بلغيه، وإذا بعلي الخازندار يقول بأعلى صوته الصنجق طيب هاتوا السلاح وسمعه الجماعة فكانت هذه الكلمة سببا لظهور الفقارية وانقراض القاسمية إلى آخر الدهر ولم يقم لهم بعدها قائم أبداً، فأنهم لما سمعوا قول الخازندار ذلك اعتقدوا صحته وتحققوا فساد طبختهم وخرجوا على وجوههم وتفرق جمعهم فذهب أبو دفية ويوسف بك الشرايبي وخليل أغا فاختفوا بمكان يوسف بك زوج هانم بنت إيواظ الذي هو مختفي فيه، وأربعة من أعيانهم اختفوا في دار عند مطبخ الأزهر وأما الجماعة المجتمعون بباب الخرق في أنتظار آذان العشاء فما يشعرون إلا بالكرشة في الناس، فتفرقوا واختفوا فلو قدر الله أنه أجتمع الواصلون والمجتمعون بباب الخرق وهم محرمون في صلاة التراويح لتم غرضهم وظهر شأن القاسمية، ولكن لم يرد الله بذلك. هم أن علي الخازندار أرسل إلى مصطفى بك بلغيه فحضر إليه بجمعه، وإذا برجل سراج من العصبة المتقدمة حضر إليهم وعرفهم بصورة الواقع ليأخذ بذلك وجاهة عندهم، فحبسوه إلى طلوع النهار فحضر عثمان جاويش القزدغلي ويوسف كتخدا البركاوي وعلي كتخدا الحلفي ومحمد بك قطامش وخليل أفندي جراكسة فغروا على الخازندار فقال علي الخازندار لمحمد بك قطامش: دم الصنجق عندك فإن القاتل لستاذنا مملوكك خليل أغا فقال: إنا طارده من يوم عزل من أغاوية العزب ووقت ما تجدوه إقتلوه، ثم أحضروا ذلك السراج بين أيديهم، وسأله عثمان جاويش فعرفه أنه ينكجرلاي فأرسلوه إلى الباب ليقرروه على أسماء المجتمعين ثم غسلوا الصنجق وكفنوه وصلوا عليه في مصلى المؤمنين ودفنوه بالقرافة، وطلعوا إلى القلعة وقلدوه الصنجقية وقلدوا أيضاً صالح كاشف بابع محمد بك قطامش وعزلوا محمد بك من إمارة الحج باستعفائه لعدم قدرته. وأرسلوا إلى خشداشة عثمان بك فحضر من التجريدة وسكن ببيت أستاذه، وسكن علي بك في بيت محمد أغا تابع إسمعيل باشا في الشيخ الظلام، وتزوج بزوجة سيده بعد ذلك وقطعوا فرماناً في اليوم الذي تقلد فيه علي بك الصنجقية بقتل القاسمية، ومات محمد بك جركس بعد موت ذي الفقار كما ذكر وحضر برأسه علي بك قطامش وذلك بعد موت ذي الفقار بك بخمسة أيام. وأنقضت دولة القاسمية وتتبعهم الفقارية بالقتل حتى أفنوهم وكان موت ذي الفقار وجركس في أواخر شهر رمضان سنة 1142، وكان الأمير ذو الفقار بك أميراً جليلاً شجاعاً بطلاً مهيباً كريم الأخلاق مع قلة أيراده وعدم ظلمه وكان يرسل اليلكات والكساوي في شهر رمضان لجميع الأمراء والأعيان والوجاقات، ويرسل لأهل العلم بالأزهر ستين كسوة ودراهم تفرق على الفقراء المجاورين بالأزهر، ومن أنشائه الجنينة والحوض ببركة الحاج والوكالة التي برأس الجودرية ولم يتمها. يابهم الأسلحة وبأيديهم النبابيت. ولبس خليل أغا ثيئة الأوده باشا وزيه، وكان شبيهاً به في الصورة وأخذوا معهم سليمان أغا أبادفيه وهو مغطى الرأس وبيده القرابينة ودخلوا إلى بيت ذي الفقار بك في كبكبة وهو يقولون قبضنا على أبي دفية وكان المترجم جالساً بالمقعد ومعه الحاج قاسم الشرايبي وآخرون، وهو مشمر ذراعيه يريد الوضوء لصلاة العشاء، فلما وقفوا بين يديه وقف على أقدامه وقال أين هو فقال خليل أغا ها هو وكشفوا رأسه، فأراد أن يكلمه ويوبخه فأطلق أبو دفية القرابينة في بطن الصنجق وأطلق باقي الجماعة ما معهم من الطبنجات فانعقدت الدخنة بالمقعد، فنط قاسم الشرايبي ومن معه من المقعد إلى الحوش ونزلوا على الفور فوجدوا سراجه المسمى بالشتوي فقتلوه في سلالم المقعد، وعلي بك المعروف بالوزير قتلوه أيضاً وهو داخل يظنوه مصطفى بك بلغيه، وإذا بعلي الخازندار يقول بأعلى صوته الصنجق طيب هاتوا السلاح وسمعه الجماعة فكانت هذه الكلمة سببا لظهور الفقارية وانقراض القاسمية إلى آخر الدهر ولم يقم لهم بعدها قائم أبداً، فأنهم لما سمعوا قول الخازندار ذلك اعتقدوا صحته وتحققوا فساد طبختهم وخرجوا على وجوههم وتفرق جمعهم فذهب أبو دفية ويوسف بك الشرايبي وخليل أغا فاختفوا بمكان يوسف بك زوج هانم بنت إيواظ الذي هو مختفي فيه، وأربعة من أعيانهم اختفوا في دار عند مطبخ الأزهر وأما الجماعة المجتمعون بباب الخرق في أنتظار آذان العشاء فما يشعرون إلا بالكرشة في الناس، فتفرقوا واختفوا فلو قدر الله أنه اجتمع الواصلون والمجتمعون بباب الخرق وهم محرمون في صلاة التراويح لتم غرضهم وظهر شأن القاسمية، ولكن لم يرد الله بذلك. هم أن علي الخازندار أرسل إلى مصطفى بك بلغيه فحضر إليه بجمعه، وإذا برجل سراج من العصبة المتقدمة حضر إليهم وعرفهم بصورة الواقع ليأخذ بذلك وجاهة عندهم، فحبسوه إلى طلوع النهار فحضر عثمان جاويش القزدغلي ويوسف كتخدا البركاوي وعلي كتخدا الحلفي ومحمد بك قطامش وخليل أفندي جراكسة فغروا على الخازندار فقال علي الخازندار لمحمد بك قطامش: دم الصنجق عندك فإن القاتل لستاذنا مملوكك خليل أغا فقال: إنا طارده من يوم عزل من أغاوية العزب ووقت ما تجدوه إقتلوه، ثم أحضروا ذلك السراج بين أيديهم، وسأله عثمان جاويش فعرفه أنه ينكجرلاي فأرسلوه إلى الباب ليقرروه على أسماء المجتمعين ثم غسلوا الصنجق وكفنوه وصلوا عليه في مصلى المؤمنين ودفنوه بالقرافة، وطلعوا إلى القلعة وقلدوه الصنجقية وقلدوا أيضاً صالح كاشف بابع محمد بك قطامش وعزلوا محمد بك من إمارة الحج باستعفائه لعدم قدرته. وأرسلوا إلى خشداشة عثمان بك فحضر من التجريدة وسكن ببيت أستاذه، وسكن علي بك في بيت محمد أغا تابع إسمعيل باشا في الشيخ الظلام، وتزوج بزوجة سيده بعد ذلك وقطعوا فرماناً في اليوم الذي تقلد فيه علي بك الصنجقية بقتل القاسمية، ومات محمد بك جركس بعد موت ذي الفقار كما ذكر وحضر برأسه علي بك قطامش وذلك بعد موت ذي الفقار بك بخمسة أيام. وأنقضت دولة القاسمية وتتبعهم الفقارية بالقتل حتى أفنوهم وكان موت ذي الفقار وجركس في أواخر شهر رمضان سنة 1142، وكان الأمير ذو الفقار بك أميراً جليلاً شجاعاً بطلاً مهيباً كريم الأخلاق مع قلة أيراده وعدم ظلمه وكان يرسل اليلكات والكساوي في شهر رمضان لجميع الأمراء والأعيان والوجاقات، ويرسل لأهل العلم بالأزهر ستين كسوة ودراهم تفرق على الفقراء المجاورين بالأزهر، ومن أنشائه الجنينة والحوض ببركة الحاج والوكالة التي برأس الجودرية ولم يتمها.
ومات الأمير يوسف بك زوج هانم بنت إيواظ بك وتزوج بها بعد موت عبد الله بك واصل يوسف بك من مماليك ايوائ بك وقلده الإمارة والصنجقية إسمعيل بك، وعرف بالخائن لآنه لما هرب عنده رضوان بك خازندار جركس أخبر عنه وخفر ذمة نفسه وسلمه إليهم، فقتلوه فسماه أهل مصر الخائن. ولماحصل ما تقدم ذكره من قصة أجتماعهم وحديثهم في حال نشوتهم بمنزل علي بك الأرمني، ونقل عنهم المملوك مجلسهم إلى علي بك الهندي، وأرسله علي بك إلى الأمير ذي الفقار والباشا، فنقل لهما ذلك وقتل الباشا علي بك الأرمني ومصطفى بك ابن إيواظ فاختفى المترجم وباقي الجماعة، ولم يزل في اختفائه إلى أن حضر رجل عطار إلى أغات مستحفظان وأخبره عن رجل من الفقهاء يأتي إلى الجزار بجواره ويأخذ منه كل يوم زيادة عن عشرة أرطال من اللحم الضاني، وكان من عادته أن لا يأخذ سوى رطلين في يومين، ولا بد لذلك من سبب بأن يكون عنده أناس من المطلوبين، فركب الأغا والوالي إلى ذلك البيت فوجدوا به امرأتين عجوزتين وعندهم حلل وقصاع ومعالق وليس بالبيت فراش ولا متاع، فطلعوا إلى أعلى المكان نزلوا أسفله فلم يجدوا شيئا، فنزل الأغا وهو يشتم العطار وأراد ضربه وإذا بشخص من الأجناد أراد أن يزيل ضرورة في ناحية فلاح له رأس إنسان في مكان متسفل مظلم، فلما رأى ذلك الجندي خبأ رأسه وانزوى إلى داخل فأخبر الأغا فأوقدوا الطلق وإذا بشخص صاعد من المحل وبيده سيف مسلول وهو يقول طريق، فتكاثروا عليه وقتلوه ونزلوا بالطلق إلى اسفل، فوجدوا يوسف بك المترجم ومعه شخصان فقبضوا عليهم وأنعم الأغا على العطار وأخذهم إلى الباشا فأرسلهم إلى عثمان بك ذي الفقار فضربوا رقابهم تحت المقعد.
ومات كل من الأمير محمد بك جركس الصغير، وأخ محمد بك الكبير، وذلك أنه لما أنقضى أمر محمد بك جركس الكبير اختفى المذكوران ودخلا إلى مصر متنكرين واختفيا في بيت رجل من أتباعهما بخطة القبر الطويل، ومعهما مملوكان. فأخلى لهم البيت وباع الخيل وشال العدد وأتى إلى أغات الينكجرية فأخبره فأرسل الأغا والوالي والأوده باشا وحضروا إليهم فرموا عليهم بالرصاص من الجانبين وكامنوهم إلى الليل، وحضر علي بك مصطفى بك بلغيه فنقب عليهم مصطفى بك من بيت إلى بيت حتى وصل إليهم، وأوقدا ناراً من أسفل المكان الذي هم فيه فأحسوا بذلك ففر أحد المملوكين هرب، وقتل الثاني برصاصة وقبضوا على الاثنين وقتلوهما ودفنوهما.
ومات الأمير خليل أغا تابع محمد بك قطامش أغات العزب سابقاً، وهو الذي أنتدب العمل المتصف المتقدم ذكره، وتزيا بزي أوده باشا البوابة ودخل إلى بيت الأمير ذي الفقار وقت آذان العشاء ومعه سليمان أبو دفية وقتلوا ذا الفقار بك كما تقدم. ثم كانت الدائرة عليهم واختفوا ثم وقعوا بخازنداره بالخليج فقبضوا عليه وسجنوه وقرروه، فأقر على سيده وغيره، فقبضوا على خليل أغا من المكان الذي كان مختفياً فيهوكان بصحبته يوسف بك الشرايبي وسليمان أغا أبو دفية. ففي ذلك الوقت قال أبو دفية: قوموا بنا من هذا المكان فإن قلبي يختلج. فقال يوسف الشرايبي: وأنا كذلك. فتقنعا وخرجا وأستمر خليل أغا في محله حتى وصلوا إليه في ذلك اليوم كما ذكر، وأخذه الأغا إلى بيت علي بك ذي الفقار فأرسله إلى الباشاوأرسله الباشا إلى عثمان بك فرمى دماغه تحت المقعد، وكذلك عثمان أغا الرزاز وغيره. وأما أبو دفية فانه لم تقنع هو ويوسف الشرايبي وخرجا وتفرقا، فذهب أبو دفية إلى بيت مقدمه ولبس زي بعض القواسة، وركب فرسه ووضع له أوراقاً في عمامته وخرج في وقت الفجر إلى جهة الشرقية، وذهب مع القافلة إلى عزة ثم إلى الشام وسافر إلى اسلامبول. وخرج في السفر وذهب إلى عند التترخان فأعطاه منصباً وعمله مرزةوتزوج بقونية، ولم يزل هناك حتى مات. وأما يوسف بك الشايبي فذهب إلى دار بالأربكية وخفى أمره ومات بعد معد ولم يعلم له خبر.
ومات عبد الغفار أغا بن حسن أفندي، وقد تقدم أنه تقلد في أيام ابن إيواظ أغاوية المتفرقة بموجب مرسوم ورد من الدولة بذلك، وسببه أن حسن أفندي والده كان له يد وشهرة في رجال الدولة، وكان من يأتي منهم إلى مصر يترددون إليه في منزله ويهادونه ويهاديهم، فاتفق أنه أهدى إلى السلطنة عبدا طواشياً فترقى هناك وأرسل إلى ابن سيده مرسوماً بأغاوية المتفرقة، وذلك في سنة 1135 بعد موت والده وألبسه الباشا قفطاناً بذلك، وعند ذلك من النوادر التي لم يسبق نظيرها، ووقع بذلك فتنة في البلكات تقدم الألماع يذكر بعضها والتجأ المترجم إلى ابن إيواظ، وهرب من الباب،ولحديث قتله نبأ غريب، وذلك أنه في أثناء تتبع القاسمية وقتلهم ورد مكتوب من كتخدا الوزير إلى عبد الله باشا الكبورلي بالوصية على عبد الغفار أغا فقال الباشا لكتخدا الجاويشية: عندكم إنسان يسمى عبد الغفار أغا قال له: نعم كان أغات متفرقة، ثم عمل أغات عزب وعزل. فقال: أرسل إليه بالحضور. فخرج كتخدا الجاويشية وأخبر محمد بك قطامش الدفتر دار، فقال: أرسل إليه وأطلبه للحضور. وطلب الوالي فقال له: إذا أنقضى أمر الديوان فأنزل إلى باب العزب وأجلس هناك وأنتظر عبد الغفار أغا وهو نازل من عند الباشا فاركب وسر خلفه حتى يدخل إلى بيته فاعبر عليه وأقطع رأسه. فلما أحضر المترج صحبة الجاويش ودخل إلى الباشا وصحبته كتخدا الجاويشية وعرف الباشا عنه وتركه وخرج وانقضى الديوان وحضر الغداء، فأشار إلى عبد الغفار أغا فجلس وأكل صحبته وحادثه الباشا فقال له: أنت لك صاحب في الدولة؟ قال: نعم، كان لأبي صديق من أغوات عابدي باشا، وكان شهر حوالة وبلغني أنه الأن كتخدا الوزير، وكان أشترى جارية ووضعها عندنا في مكان فكان ينزل ويبيت عندنا، ولما عزل عابدي باشا أخذها وسافر فهو إلى الآن يودنا ويراسلنا بالسلام. فقال له الباشا: أنه أرسل يوصينا علييك فانظر ما تريد من الحوايج أو المناصب. فقال: لا أريد شيئاً ويكفينى نظركم ودعاؤكم. وأخذ خاطر الباشا ونزل إلى داره فلما مر بباب العزب ركب الوالي ومشى في أثره ولم يزل سائراً خلفه حتى دخل إلى البيت ونزل من على الحصان بسلم الركوبة، وكان بيته بالناصرية، فعند ذلك قبضوا عليه وأخذوا عمامته وفروته وثيابه وسحبوه إلى الإسطبل فقطعوا رأسه وأخذها الوالي مع الحصان وأتى بهما إلى بيت محمد بك قطامش، فصرخت والدته وزوجته وجواريه وتقنعن وطلعن إلى القلعة صارخات فقال الباشا: ما خبر هذا الحريم؟ فقالت والدته: حيث أن الباشا أراد قتله كان يفعل به ذلك بعيدا عنا فتعجب الباشا وقام من مجلسه وخرج إلى ديوان قايتباي واستخبرهن فأخبرته بما حصل فاغتم غماً شديداً وطلب الوالي وأمر برجوع الحوايج والرأس وأعطاهن كفنا ودراهم وأعطى والدته فرماناً بكامل ما كان تحت تصرفه من غير حلوان،ونزلت الأغوات والنساء فأخذوا الرأس والثياب وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه. ولما طلع محمد بك قطامش إلى الديوان قال له الباشا: تقتلون الأغوات في بيوتهم من غير فرمان. فقال: لم نقتله إلا بفرمان، فإنه كان من جملة الثلثمائة المتعصبين على قتل اخينا ذي الفقاربك وعزل الباشا الوالي وقلد خلافه في الزعامة وكان المترجم آخر من قتل من القاسمية المعروفين رحمه الله، وكان عند المترجم سبعة مماليك من مماليك محمد بك بن أبي شنب فبلغ خبرهم محمد بك قطامش فأرسل من أخذهم من عنده قبل كائنته بنحو ثمانية أيام.